
في مشهد غريب أثار استياء المرتفقين بمدينة إنزكان، تفاجأ المواطنون اليوم بتنصيب شخص عند المدخل الرئيسي للجماعة الترابية، مكلف بمهمة لا تدخل ضمن المساطر الإدارية المتعارف عليها. هذه المهمة، التي قُدمت تحت يافطة “التنظيم”، تتلخص في استنطاق المرتفقين وجمع معطياتهم الشخصية الحساسة، بما في ذلك أرقام بطائقهم الوطنية، أرقام هواتفهم، وطبيعة الأغراض التي تقودهم إلى الجماعة.إن هذا الإجراء لا يمكن تصنيفه إلا في خانة التجاوز القانوني الخطير. فالمعطيات ذات الطابع الشخصي محمية بموجب القانون رقم 09.08، ولا يحق لأي جهة جمعها إلا في إطار أغراض محددة ومشروعة، وبموافقة صريحة من المعني بالأمر، ومع توفر ضمانات أمنية وإخبارية.إن قيام الجماعة بجمع هذه البيانات عند “الباب” ودون سياق إداري واضح، يطرح علامات استفهام كبرى حول مصير هذه الأرقام والبيانات. فهل أصبحت جماعة إنزكان مؤسسة أمنية؟ أم أن هنالك “قاعدة بيانات موازية” يتم طبخها على نار هادئة؟كل المؤشرات الميدانية توحي بأن الهدف ليس تجويد الخدمات أو تسهيل ولوج المواطن للمرفق العام، بل هو محاولة يائسة لبناء قاعدة بيانات ضخمة تُستغل لاحقاً في “البروبانغاندا” الانتخابية. إن خلط الأوراق بين المهنة الانتدابية كرئيس للجماعة وبين الطموحات السياسية الضيقة يُعد ضرباً في عمق أخلاقيات المرفق العام.المواطن الذي يتجه للجماعة لقضاء غرض إداري، يتوقع أن يجد التسهيلات لا أن يجد نفسه مضطراً لتقديم معلوماته الخاصة لشخص “مكلف” لا يُعرف وضعه القانوني داخل الهيكلة الإدارية.مؤسسات الدولة ليست ملكية خاصة
إن الدولة المغربية تُبنى بالمؤسسات القوية التي تحترم القانون وتصون كرامة المواطن، وليست بجمع الأرقام والهواتف عند الأبواب. إن “الشراهة للمنصب” التي يبديها رئيس الجماعة الترابية لإنزكان جعلت الخيط الرفيع بين احترام الناس وبين السقوط في نظرهم يتلاشى.فالمرفق العمومي فضاء ملك للجميع، وظيفته الأساسية هي الخدمة وليس المراقبة أو التوظيف السياسي. إن تحويل مدخل الجماعة إلى ما يشبه “مكتب تحقيق” هو ممارسة تذكرنا بعهود بائدة، وتسيء لصورة التدبير المحلي بالمملكة.على الجهات الوصية، وعلى رأسها سلطات الرقابة الإدارية، التدخل الفوري لوقف هذه المهزلة. إن صون كرامة المرتفق وحماية خصوصيته ليست ترفاً، بل هي لب الدستور وروح القانون. أما الطموحات الانتخابية، فمكانها صناديق الاقتراع والبرامج الواقعية، وليس التسلل إلى جيوب وأرقام المواطنين تحت غطاء “التنظيم”.



