
أطلقت السلطات الإقليمية بعدة جهات وبتوجيهات مباشرة من وزارة الداخلية، عملية افتحاص واسعة ودقيقة لسجلات شهادات المطابقة و”رخص السكن”، بعد توصلها بمعطيات خطيرة تفيد استعمال وثائق مزورة تحمل تواريخ قديمة وأرقاما تسلسلية سابقة، في محاولة لاستباق الدورية الوزارية الصادرة منتصف غشت الماضي، التي شددت على وقف منح الرخص الجزئية وربط أي وثيقة بإتمام الأشغال وفق التصاميم الأصلية المصادق عليها. وتؤكد المعطيات أن لجاناً إدارية مختصة باشرت عملها داخل العمالات وشرعت في تمشيط ملفات تعميرية يُشتبه في استغلالها ثغرات السجلات القديمة، بعد تسجيل محاولات للتهرب من المنصة الرقمية “رخص”، التي أحدثتها الداخلية لضبط وتتبع مسار طلبات البناء. وقد وقفت هذه اللجان، وفق مصادر متطابقة، على وجود تواطؤ بين بعض رؤساء الجماعات وموظفي أقسام التعمير، سمح بتدوين شواهد مطابقة داخل “فراغات” تركت عمداً في سجلات قديمة، واستعمالها لشرعنة مبانٍ غير مطابقة أو غير مكتملة.
وتضيف المصادر أن التحقيقات الميدانية رصدت اتساع دائرة المتاجرة في الشقق غير المكتملة، خاصة داخل أحياء إعادة الإيواء التي حصل فيها المستفيدون على بقع أرضية ثم شرعوا في بيع وحدات سكنية لم تستكمل أشغالها، إلى جانب تجاوزات ارتكبها بعض صغار المُجزِّئين. وزادت وتيرة هذه الممارسات خلال الأسابيع الأخيرة بالتزامن مع العد العكسي لنهاية الولاية الانتخابية، ما أثار شبهة “تسابق غير قانوني” نحو تسليم أكبر عدد من الرخص لتصفية عقارات أو تلبية طلبات انتخابية ضيقة، في خرق سافر لتوجيهات وزارة الداخلية وولاة الجهات وعمال الأقاليم.
الدورية الوزارية، التي جاءت لوضع حد لظاهرة “الرخص الجزئية”، اعتبرت أن السماح باستغلال أجزاء من المباني قبل اكتمالها أدّى إلى فوضى عمرانية حقيقية، وظهور بنايات ناقصة أو مخالفة للتصاميم في عدد من المناطق الحضرية وشبه الحضرية، بل وتحوّل الأمر إلى باب خلفي لإجراء تغييرات غير مرخصة تهدد السلامة العامة. وقد استندت الدورية إلى المرسوم 2.13.424 الصادر سنة 2013، الذي يلزم بإتمام البناء بالكامل قبل أي شهادة مطابقة، وإلى مقتضيات القانون 66.12 الخاص بمراقبة وزجر مخالفات التعمير، الذي يمنح صلاحيات واسعة للجماعات، من توقيف الأشغال وتحرير المحاضر والغرامات، وصولاً إلى الهدم عند الاقتضاء.
وخلال جلسات الاستفسار، واجهت اللجان الإقليمية رؤساء جماعات بأسئلة حول سبب تجاهلهم التعليمات الصريحة التي تمنع تسليم “رخص السكن” لأجزاء غير مكتملة، وسبب المصادقة على بنايات اكتفت بتكسية الواجهات أو صباغتها دون احترام التصاميم، بل واستمرار بعض المهندسين المعماريين في منح شهادات انتهاء الأشغال رغم غياب الإتمام الفعلي للبناء. كما نبهت اللجان إلى خطورة ترك الورش مفتوحاً دون مراقبة، إذ ثبت في حالات عديدة استغلال هذه الفوضى لتغيير المعالم الهندسية لبنايات “غير قابلة للتغيير”، ما أعاق عمليات المراقبة التي تقوم بها السلطات الترابية ومراقبو التعمير، وتجلّى بشكل واضح خلال حملات الهدم الأخيرة التي استهدفت مباني مخالفة.
وزارة الداخلية شددت، مرة أخرى، على أن المنصة الرقمية “رخص” هي القناة الرسمية الوحيدة لتقديم وتتبع طلبات البناء وشهادات المطابقة، وأن أي ملف يجب أن يتضمن كل الوثائق التقنية من إعلان انتهاء الأشغال وشهادات المهندسين ومكاتب الدراسات والمخططات والبطاقة التقنية، مؤكدة أن زمن السجلات الورقية وفراغاتها “القابلة للتلاعب” انتهى، وأن عمليات الافتحاص الجارية ستكشف كامل المسؤوليات وستُرتِّب الجزاءات القانونية المناسبة في حق المتورطين.



