صفقة الغازوال المرفوضة: هل تكشف “المناقصة الخاسرة” تشوهات سوق المحروقات في المغرب؟

شهد الرأي العام  مؤخراً تطوراً لافتاً في المشهد الاقتصادي، تمثل في قرار المكتب الوطني للسكك الحديدية (ONCF) رفض عرض تقدمت به شركة “أفريقيا للمحروقات”، التابعة لمجموعة “أكوا”، لتوريد كمية هائلة من وقود الغازوال 10ppm. لم يكن الرفض عادياً، بل جاء بسبب ما وصفه المكتب بـ “الانخفاض غير المنطقي” للعرض، الذي جاء بأكثر من 60 مليون درهم أقل من التقديرات الرسمية (أي بفارق يزيد عن درهمين للتر الواحد).

هذه الواقعة، التي صنفت الصفقة بـ “غير الناجحة (infructueuse)”، لم تمر مرور الكرام، بل أعادت إشعال نقاش قديم متجدد حول شفافية المنافسة وهامش الربح في قطاع المحروقات المغربي، ودفعت بالنائب البرلماني الاستقلالي عن إقليم إنزكان آيت ملول، خالد الشناق، إلى إثارة تساؤلات جوهرية حول هذه القضية.

الرفض الغريب: السعر “الأدنى” يثير الشكوك
تتعلق الصفقة بتوريد حوالي 16.6 مليون لتر من الغازوال منخفض الكبريت (10ppm)، وهو وقود حيوي لقاطرات الديزل. وقد جاء عرض شركة “أفريقيا” بـ 153.6 مليون درهم، مقابل تقدير رسمي تجاوز 214 مليون درهم.

هنا يكمن المفارقة: في سوق لطالما اشتكى فيه المستهلكون والمحترفون من ارتفاع الأسعار وهوامش الربح الخيالية التي تصل إلى درهمين للتر الواحد، كما أشار البرلماني الشناق في تدوينته، يأتي عرض من إحدى الشركات الكبرى بفارق سعري ضخم يرفضه المكتب.

يشير رفض الـ ONCF إلى احتمالين: إما أن يكون عرض الشركة يشير بوضوح إلى أن الأسعار السوقية المعتمدة حالياً تتضمن فعلاً هوامش ربح مبالغ فيها جداً، أو أن العرض المنخفض بشكل غير مسبوق يمثل محاولة لـ “إغراق المناقصة” للظفر بصفقة عمومية حساسة. وفي كلتا الحالتين، فإن هذا الفارق يكشف عن اختلالات عميقة في آليات التسعير والتنافسية داخل القطاع.

تضارب المصالح: السؤال المحوري
يأخذ النقاش بعداً أكثر حدة مع ربط البرلماني الشناق بين الصفقة وقضية تضارب المصالح. حيث أشار إلى أن العرض المرفوض “أثار موجة تساؤلات واسعة… لارتباط الشركة المعنية بشكل مباشر بدوائر القرار داخل نفس القطاع، مما يجعل شبهة تضارب المصالح أكثر حدة ووضوحا”.

هذا الربط يضع على الطاولة السؤال المركزي الذي طرحه الشناق: “كيف يمكن ضمان المنافسة الشريفة والحياد المؤسساتي حين تجتمع سلطة القرار مع قوة المال داخل نفس القطاع؟”

إن تواجد الفاعلين الاقتصاديين الكبار على مقربة من مراكز القرار السياسي هو سمة للعديد من الاقتصادات، لكنها في سياق سوق المحروقات المغربي، الذي حُررت أسعاره وسط جدل كبير، تثير قلقاً مشروعاً بشأن تفعيل قواعد المنافسة العادلة. هل كان الـ ONCF حريصاً على المال العام برفضه عرضاً مشكوكاً في منطقيته الاقتصادية؟ أم أن هذا العرض، إن تم قبوله، كان سيفضح حجم الهوامش الربحية غير المبررة؟

إصلاح جذري لسوق مشوّه
إن قرار الـ ONCF بتصنيف الصفقة كـ “غير ناجحة” وإطلاق طلب عروض جديد قريباً هو خطوة إجرائية لضمان استمرارية خدماته، لكنها ليست نهاية المطاف. إنها مجرد حلقة جديدة في مسلسل طويل لـ تشوهات سوق المحروقات.

إن ما كشفته صفقة الغازوال المرفوضة يعزز الدعوات إلى إصلاح جذري يضمن:

شفافية التسعير: تحديد آليات واضحة ومعقولة لهوامش الربح، خاصة في السلع الحيوية.

حياد المؤسسات: فصل تام وفعال بين النفوذ الاقتصادي والقرار السياسي لتجنب شبهة تضارب المصالح.

منافسة عادلة: ضمان تكافؤ الفرص لجميع المتنافسين، بعيداً عن محاولات “الإغراق” أو استغلال النفوذ.

على الحكومة  أن تستغل هذه الواقعة كفرصة لإعادة النظر بجدية في هيكلة هذا القطاع، بدلاً من ترك الأسئلة الملحة معلقة في انتظار مناقصة أخرى.

إن حماية القدرة الشرائية للمواطنين وتنافسية الاقتصاد الوطني تبدأ بضمان أن تكون المناقصات العمومية ساحة للمنافسة الشريفة، لا فضاءً لكشف عمق التشوهات الهيكلية.

A.Bout

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى