
في الوقت الذي يُفترض فيه أن يُشكّل سوق الجملة للخضر والفواكه بإنزكان نموذجاً يُحتذى به في النظافة وحُسن التدبير، بحكم مكانته الاقتصادية الاستراتيجية ودوره الحيوي في تموين المدينة ومحيطها، يُسجَّل اليوم واقع بيئي وصحي مقلق يثير استياء المهنيين والمرتفقين على حد سواء، ويطرح تساؤلات جدية حول طريقة تدبير هذا المرفق العمومي الحيوي.
فقد أصبحت مشاهد الأزبال المتراكمة، وانتشار الروائح الكريهة والمقززة، ووجود مساحات واسعة تُركت دون تنظيف منتظم، أموراً مألوفة داخل السوق، في وضع لا يليق إطلاقاً بمرفق يستقبل يومياً مئات التجار، والمهنيين، والمركبات القادمة من مختلف جهات المملكة.
إمكانيات مرصودة… ونتائج صادمة
المفارقة الصارخة تكمن في أن الجماعة الترابية لإنزكان تخصص اعتمادات مالية مهمة، سواء عبر سندات طلب لاقتناء معدات خاصة بالنظافة، أو باللجوء إلى توظيف عمال عرضيين للقيام بمهام التنظيف. غير أن هذه الإمكانيات، ورغم كلفتها المالية الباهظة، لم تنعكس إيجاباً على الوضع الميداني؛ حيث ظلت النتائج دون مستوى التطلعات، بل ووُصفت بـ “الصادمة” في بعض الأحيان.
هذا التناقض الجلي بين حجم الميزانيات المُنفقَة وما يُسجَّل من تدهور بيئي مستمر، يعكس بوضوح وجود خلل هيكلي وبنيوي في طريقة التدبير والتنظيم، ويؤكد غياب الحكامة والنجاعة في تسيير هذا المرفق الاقتصادي الهام.
قرار تدبيري مثير للجدل
تُرجع جذور هذا الإشكال، حسب متتبعين للشأن المحلي، إلى القرار التدبيري المتخذ بتجنيب الشركة نائلة صفقة التدبير مسؤولية النظافة، مقابل تمتيعها بأداء نسبة لا تتجاوز 3٪ من قيمة الإيجار، وهي نسبة وُصفت بـ “الهزيلة جداً” قياساً بحجم المداخيل الضخمة التي يُدرّها السوق.
وبناءً على هذا القرار، تم نقل عبء النظافة، الذي كان منوطاً بالشركة في إطار صفقات الكراء السابقة، إلى كاهل الجماعة الترابية. وبذلك، أصبحت الجماعة تتحمل مسؤولية ثقيلة دون أن تكون مهيأة لها، سواء من حيث الموارد البشرية الكافية، أو من حيث التنظيم المُحكم، أو من حيث النجاعة المطلوبة في مثل هذه المهام.
تحذيرات سابقة.. وواقع يؤكد الخلل
لم يكن هذا الوضع وليد الصدفة؛ بل هو نتيجة مباشرة لما جرى التحذير منه مراراً خلال دورات المجلس الجماعي، بخصوص ما وُصف حينها بـ “القصور الملحوظ” في إعداد كناش التحملات الخاص بالتدبير المفوض، وسوء تقدير شروط صفقة تمتد لـ 12 سنة.
واليوم، بدأت ملامح هذا الخلل تظهر جلية إلى العلن، من خلال التدني الواضح في مستوى الخدمات، وتهديد شروط السلامة الصحية داخل السوق، في وقت يُفترض فيه أن تكون الجودة والنظافة في صلب أولويات التدبير.
انعكاسات سلبية على صورة المدينة
إن استمرار هذا الوضع لا يمس فقط بسلامة وصحة المهنيين والمرتفقين، بل يسيء أيضاً إلى صورة مدينة إنزكان كقطب تجاري حيوي بجهة سوس ماسة، ويهدد مصالح التجار، ويضرب في العمق ثقة المواطنين في جودة التدبير المحلي.
أمام هذا الواقع المُلِح، يطرح المتابعون تساؤلات مشروعة حول الجهات المسؤولة، وحول مدى استعدادها لمراجعة هذا الاختلال الخطير، وتصحيح المسار فوراً قبل أن يتحول الفشل التدبيري إلى أزمة بيئية وصحية وكارثة اقتصادية حقيقية.



