
في وقت يتطلع فيه المواطنون إلى ممارسة سياسية ناضجة تقوم على الشفافية والإنصات والتعاون التشاركي، تعود إلى الواجهة واقعة مثيرة للجدل بحي المزار بمدينة أيت ملول، تكشف جانباً مظلماً من ممارسات بعض المنتخبين الذين يختارون طرقاً غير أخلاقية لتحقيق مكاسب سياسية وانتخابية ضيقة، ولو على حساب العمل المدني الجاد والمكتسبات الجماعية.
القضية تفجّرت بعدما تفاجأت جمعية إيزوران المزار بما وصفته بـ عملية قرصنة لمحتوى مذكرتين مطلبيتين رسميتين كانت قد وجهتهما سابقاً إلى عامل عمالة إنزكان أيت ملول، بتاريخ 03 مارس 2021 و01 دجنبر 2023، وتتعلقان بمطلب إعادة النظر في التقطيع الترابي لجماعة أيت ملول وإعادة إلحاق غابة المزار التي تمثل المتنفس البيئي للساكنة، والتي جرى ضمها لجماعة القليعة.
وتشير المعطيات المتوفرة إلى أن أحد المنتخبين، وبدعم من برلماني بالإقليم، أقدم على نسخ محتوى المذكرتين حرفياً وتقديمه للرأي العام كما لو كان ثمرة اشتغال شخصي واجتهاد ذاتي، في خطوة اعتبرتها الجمعية سطواً مباشراً على الملكية الفكرية ومعطيات موثّقة، ومحاولة مكشوفة لاصطناع “إنجاز سياسي مزيف” واستثمار الملف انتخابياً دون أي اجتهاد أو مساهمة حقيقية.
ولا تقف خلفيات الواقعة عند حدود السرقة الفكرية فحسب، بل تمتد، وفق تصريحات الجمعية، إلى سلسلة من السلوكيات المعيقة التي دأب المنتخب المعني على ممارستها ضد كل مبادرة تنموية تطلقها الجمعية لصالح الساكنة، من قبيل تقديم شكايات كيدية وخلق عراقيل بيروقراطية، وهو ما تصفه الجمعية بمحاولة إجهاض أي نجاح مدني حقيقي قد يزعج البعض ممن اعتادوا العمل الانتخابي الموسمي القائم على الوعود بدل الفعل.
وتعيد هذه الحادثة تسليط الضوء على خطورة تحويل المجتمع المدني إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية، في وقت يفترض أن يكون المنتخب نموذجاً في النزاهة واحترام جهود الآخرين، وأن تظل الجمعيات قوة اقتراحية مستقلة لا ورقة ضغط أو وسيلة دعائية.
وإزاء ذلك، تبرز مجموعة من الرسائل المستعجلة:
ضرورة حماية استقلالية المجتمع المدني وضمان أن يظل رافعة للتنمية والعدالة المجالية، لا أداة في يد أي طرف سياسي.
احترام الملكية الفكرية والعمل الترافعي الذي تقدمه الجمعيات في إطار القانون والمؤسسات.
تجديد مطلب النزاهة والمسؤولية الأخلاقية للمنتخبين بدل البحث عن “الركوب” على مجهودات الغير.
وضع حد لثقافة السطو والكسل السياسي التي تعطل المبادرات التنموية وتنتج صراعات فارغة بدل حلول حقيقية.
تبقى هذه القضية أكثر من مجرد خلاف عابر، لأنها تكشف ذهنيات ما زالت تفضل العرقلة على البناء، والسطو على الإبداع، وتسجيل النقاط الانتخابية بدل خدمة الصالح العام. وهي مناسبة للتأكيد أن المرحلة تستدعي مسؤولين قادرين على العمل والاجتهاد، لا من يخلقون العواصف ويدّعون إنجازات لم تصدر منهم.
ويبقى المجتمع المدني، بكل ثبات، خط الدفاع الأول عن المصلحة العامة، مهما تعددت محاولات التشويش والقرصنة.




