
بعد أسابيع على افتتاحه الرسمي، يجد المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس بأكادير نفسه في قلب عاصفة من الأسئلة والانتقادات، بعدما تلاقى سؤال برلماني مع بيان نقابي ليكشفا معاً صورة مقلقة عن واقع مؤسسة كان يُنتظر أن تغيّر ملامح العرض الصحي بجهة سوس ماسة.
القضية التي أشعلت النقاش تتعلق بـ تعطل جهاز “السكانير” داخل المستشفى، وهو جهاز يُفترض أنه من أهم التجهيزات لإنقاذ حياة المرضى، خصوصاً في الحالات الحرجة كالنزيف الدماغي. لكن ما بدا في الظاهر مجرد عطب تقني، سرعان ما تحوّل إلى مؤشر على خلل بنيوي أعمق داخل هذا الصرح الجامعي الجديد.
حالة بنزيف دماغي تكشف المستور
المعطيات التي استند إليها السؤال البرلماني للنائب خالد الشناق تكشف أن أسرة سيدة نُقلت على وجه السرعة للمستشفى لإجراء فحص سكانير، تلقت جواباً مفاجئاً: “الجهاز غير مشتغل”.
الواقعة تطرح سؤالاً مركزياً:
كيف يمكن لمستشفى جامعي دُشّن رسمياً أن يعجز عن تشغيل جهاز محوري منذ اليوم الأول؟
وإذا كان مثل هذا العطب قد يحدث في أي مؤسسة صحية، فإن المشكلة تكمن في تزامنه مع افتتاح كبير وتغطية إعلامية واسعة قدمت المستشفى كمنشأة حديثة وفعّالة. هنا يبدأ التناقض بين الخطاب والواقع.
بيان نقابي يزيد المشهد تعقيداً
بالتوازي مع السؤال البرلماني، أصدر المكتب المحلي للنقابة الوطنية للصحة العمومية بياناً يُقدّم رواية أشمل عن ما يقع داخل المركز. البيان وصف الوضع بـ “الكارثي”، متحدثاً عن:
قرارات مرتجلة
غياب الانسجام بين الأقطاب المسيرة
تأخر تفعيل مرافق صحية أساسية
أطر صحية “تائهة” بين مستشفيين دون مذكرات تعيين
نقص حاد في بعض الأقسام وفائض غير مستغل في أخرى
غياب بطاقات مهنية وجوازات المرور
ارتباك في الحركة الانتقالية
تأخر إصدار مذكرات التعيين وإعادة الانتشار
هذه المعطيات تقدم صورة مفادها أن المؤسسة بدأت العمل دون جاهزية تنظيمية حقيقية، وأن مرحلة الانطلاقة لم تُدار وفق الحد الأدنى من الانسجام الإداري.
هل كان المستشفى جاهزاً فعلاً للافتتاح؟
التحقيق في جذور الأزمة يطرح سؤالاً جوهرياً:
هل تم افتتاح المستشفى قبل استكمال شروط الجاهزية التقنية والإدارية؟
المعطيات تشير إلى احتمالين:
1. تجهيزات غير مكتملة التشغيل
تعطل جهاز “السكانير” بعد أسابيع فقط من افتتاح المؤسسة، وعدم تشغيل مرافق أخرى، يثير الشك في أن بعض الأجهزة ربما لم تخضع للاختبارات الكافية أو لم تُستكمل إجراءات الربط والصيانة.
2. ارتباك إداري بنيوي
غياب مذكرات التعيين، توقف الحركة الانتقالية، غياب بطاقات الولوج… كلها مؤشرات على أن المسار التنظيمي الداخلي لم يتم ترتيبه بالشكل المطلوب قبل استقبال المرضى.
هذا الخلل الإداري يمكن أن ينعكس بشكل مباشر على تشغيل الأجهزة وعلى تقديم الخدمات في وقتها.
من يتحمل المسؤولية؟
النائب البرلماني خالد الشناق طرح سؤالاً مباشراً على وزير الصحة:
من المسؤول عن هذا الوضع؟
هل تتعلق المسؤولية بـ:
الإدارة المشرفة على المركز؟
الشركة المكلفة بالتجهيزات الطبية؟
تأخر الصيانة والدعم التقني؟
أو بسوء التخطيط في مرحلة الانطلاقة؟
هذه الأسئلة تبدو اليوم أكثر إلحاحاً، خصوصاً أن المستشفى الجامعي يُفترض أن يكون نموذجاً للحكامة وجودة الخدمات، وليس مؤسسة تتعثر عند أول اختبار.
مواطنون خاب أملهم… وأطر صحية تعمل في ضبابية
في ظل هذا الوضع، يجد المواطن نفسه أمام معادلة صعبة:
مستشفى جامعي افتُتح بآمال كبيرة… لكنه لم يحقق بعدُ الحد الأدنى من المنتظر منه.
ووفق شهادات نقابية، فإن الأطر الصحية نفسها تعيش حالة عدم استقرار مهني بسبب غياب التنظيم، ما ينعكس على جودة العمل وعلى نفسية العاملين داخل الأقسام.
قصة مستشفى بين الوعود والواقع
المعطيات المتقاطعة من البرلمانيين والمهنيين تكشف أن المركز الاستشفائي الجامعي محمد السادس يعيش مرحلة ارتباك هيكلية، وأن الأمر يتجاوز عطب “سكانير” إلى سؤال أكبر يتعلق بطريقة تدبير المشروع منذ انطلاقته.
ويبقى السؤال المطروح اليوم:
هل تتخذ وزارة الصحة إجراءات استعجالية لإعادة الأمور إلى نصابها، أم أن الوضع مرشح لمزيد من التعقيد؟
ما هو مؤكد أن الثقة التي وضعها المواطن في هذا الصرح الجامعي مهددة، وأن إنقاذها يتطلب قرارات حازمة وشفافة تعيد الاعتبار للمرفق الصحي وتطمئن المرضى والمهنيين على حد سواء.



