الطريق السريع تيزنيت- الداخلة: شريان تنموي يعيد رسم ملامح الصحراء المغربية

يعد الطريق السريع الرابط بين تيزنيت والداخلة أحد أبرز المشاريع التنموية المهيكلة في تاريخ الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، حيث يأتي هذا الورش العملاق في إطار النموذج التنموي الجديد الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله سنة 2015، بهدف تعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي بين شمال المملكة وجنوبها، وتوطيد الربط التجاري مع عمقها الإفريقي.

يمتد هذا الطريق الاستراتيجي على طول 1055 كيلومترا، بتكلفة إجمالية تبلغ تسعة مليارات درهم، ويعتبر من أكبر مشاريع البنية التحتية التي يشهدها المغرب في العقود الأخيرة.

وقد تم تصميمه وفق معايير هندسية حديثة تضمن السلامة والجودة والنجاعة الاقتصادية، حيث يضم ستة طرق مدارية لتخفيف الضغط على المدن، وست عشرة قنطرة وجسرا، وسبع باحات استراحة لتأمين خدمات الراحة للمسافرين، إلى جانب ثماني عشرة محطة لتفريغ مياه الأسماك دعماً للأنشطة البحرية المحلية.

وتتوزع الأشغال على مقاطع متعددة، من بينها 162 كيلومترا ذات مسارين مستقلين، فيما بلغت عمليات الردم والحفر حوالي 33 مليون متر مكعب. كما استُعملت في المشروع كميات ضخمة من مواد البناء تجاوزت ستة ملايين متر مكعب، إضافة إلى خمسة ملايين طن من الأسفلت وثلاثمائة ألف متر مكعب من الخرسانة. وتم تزويد الطريق بحواجز حماية تمتد على 764 كيلومترا، و12600 علامة للتشوير العمودي، و4.5 ملايين متر طولي من التشوير الأفقي، مما يعكس حجم الجهود التقنية المبذولة لضمان السلامة وجودة الإنجاز.

ويشارك في تنفيذ هذا المشروع الوطني 35 مقاولة مغربية، إلى جانب 45 فريقاً لمراقبة الجودة، و20 فريقاً للمساعدة التقنية، و45 فريقا للمراقبة الطبوغرافية، إضافة إلى 350 مهندساً وتقنياً وما يزيد عن 3500 آلية تشتغل على امتداد المسار الطرقي.

ولا يقتصر هذا المشروع على بعده الهندسي، بل يشكل رافعة حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، إذ سيساهم في تقوية جاذبية الأقاليم الجنوبية للاستثمار في مجالات الصيد البحري، والسياحة، والطاقة المتجددة، والتجارة البينية الإفريقية، كما سيعمل على تقليص زمن التنقل بين مناطق الجنوب، وتحسين ظروف نقل البضائع والركاب، بما يعزز الاندماج الوطني ويقوي التواصل بين مختلف جهات المملكة.

ويمثل الطريق السريع تيزنيت- الداخلة رمزا للوحدة الوطنية وتجسيدا فعليا للرؤية الملكية السامية التي تضع الإنسان في صلب التنمية، فهو ليس مجرد طريق يربط المدن، بل هو جسر للتواصل والازدهار، يعانق الصحراء المغربية ويفتح آفاقا جديدة نحو إفريقيا، في انسجام تام مع التوجه المغربي الراسخ لبناء تعاون جنوب- جنوب قائم على التنمية المشتركة والاحترام المتبادل.

إنه بحق مشروع القرن في الأقاليم الجنوبية، وشريان حياة جديد يؤكد أن الصحراء المغربية تسير بخطى ثابتة نحو مستقبل واعد، قوامه التنمية المستدامة والوحدة والازدهار.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى