
في مشهد يعيد النقاش حول العدالة المجالية إلى الواجهة، وجهت جمعية المواطنة والتسامح للأعمال الاجتماعية والثقافية بحي أزرو أيت ملول مذكرة ترافعية إلى رئيس المجلس الجماعي، مطالبة بتدخل عاجل لإصلاح ما وصفته بـ”الاختلالات البنيوية والخدماتية” التي تعصف بجودة عيش سكان الحي وتكرّس مظاهر التفاوت داخل تراب الجماعة.
المذكرة جاءت بعد عملية تشخيص ميداني دقيقة شارك فيها فاعلون جمعويون وسكان من مختلف أحياء أزرو، وانتهت إلى خلاصات صريحة تؤكد أن الحي يعيش وضعًا تنمويًا هشًا لا ينسجم مع دينامية مدينة أيت ملول التي تُعد من أبرز المراكز الحضرية بإقليم إنزكان أيت ملول.
اختلالات بنيوية ومطلب العدالة المجالية
تُبرز الوثيقة وجود فجوة واضحة في توزيع الموارد والخدمات العمومية، إذ ما يزال حي أزرو، وفق توصيف الجمعية، “منطقة ظل” في الخريطة التنموية للجماعة. وتشمل هذه الاختلالات قطاعات حيوية: التهيئة الحضرية، الإنارة، البنية التحتية، الصحة، التعليم، النظافة، النقل، والبيئة.
ويرى نشطاء الجمعية أن استمرار هذا الوضع يطرح سؤال العدالة المجالية بحدة، ويكشف عن غياب رؤية شاملة للتخطيط الحضري تضمن التوازن بين مركز المدينة وهوامشها. فبينما شهدت بعض الأحياء تحسينات نسبية في الخدمات والمرافق، ما تزال أزرو تعاني من غياب برامج مهيكلة قادرة على تغيير وجهها العمراني والاجتماعي.
اللافت في مذكرة جمعية المواطنة والتسامح أنها لم تكتف بالتشخيص أو بنقل تذمر الساكنة، بل تجاوزت منطق الشكوى إلى صيغة مرافعة مدنية مؤسساتية، تضبط المطالب ضمن مقاربة حقوقية وتنموية واضحة المعالم.
فالوثيقة تطالب أولًا بـ”الاعتراف الرسمي بحي أزرو كمنطقة ذات أولوية ترابية”، وهي خطوة تعتبرها الجمعية أساسية لتصحيح التوجهات التنموية للجماعة، إذ أن هذا الاعتراف سيُمكّن من برمجة مشاريع خاصة ضمن برنامج عمل الجماعة وميزانيتها المستقبلية.
كما تدعو المذكرة إلى تنظيم لقاء رسمي عاجل بين مسؤولي الجماعة وممثلي المجتمع المدني لتقديم مضامين التشخيص، وفتح حوار تشاركي حول سبل الاستجابة للمطالب. وهي دعوة تعكس رغبة الجمعويين في تكريس الديمقراطية التشاركية التي نصّ عليها الدستور كركيزة لتدبير الشأن المحلي.
المسؤولية التشاركية والجرأة السياسية
من بين أهم ما ورد في المذكرة، مطالبة الجماعة بـ“تفعيل اختصاصاتها في مجال الترافع والشراكة”، لتعبئة الموارد المالية والتقنية الكفيلة بالاستجابة لحاجيات الساكنة، إلى جانب إحداث آلية دائمة للدعم والإنصات مخصصة لأحياء الهامش. هذه الخطوة لو تم تبنيها مؤسساتيًا، ستشكل سابقة في الممارسة المحلية، لأنها تنقل العمل الجماعي من منطق التدبير الموسمي إلى منطق المواكبة المستمرة.
غير أن الرسالة الضمنية للمذكرة تبدو أوضح: فهي تُحمّل المسؤولية ليس فقط للمجلس الجماعي الحالي، بل لكل الفاعلين المحليين الذين ساهموا بصمتهم أو تقصيرهم في تكريس التفاوت بين أحياء أيت ملول. كما تنبه إلى أن تجاهل صوت الساكنة لا يخدم لا التنمية ولا الديمقراطية المحلية، وأن إشراك المواطن في اتخاذ القرار هو الطريق الوحيد لبناء الثقة المفقودة بين الساكنة والمؤسسات المنتخبة.
أزرو… الحي الذي يريد أن يُسمَع صوته
حي أزرو، رغم تاريخه العريق ودوره الاقتصادي والاجتماعي في نسيج أيت ملول، يعيش اليوم حالة من الإقصاء الصامت. مبادرات الساكنة والجمعيات المحلية، مثل هذه المذكرة، تعبّر عن رغبة جماعية في إعادة الاعتبار لمنطقة لطالما شكلت خزانًا بشريًا واقتصاديًا للمدينة.
وفي ختام الوثيقة، تدعو الجمعية رئيس المجلس الجماعي إلى التعامل بجدية ومسؤولية مع المطالب، مؤكدة أن هذه المذكرة ليست عملاً احتجاجيًا، بل تعبير ناضج عن “وعي مواطن متجدد” يؤمن بأن التنمية لا تتحقق بالشعارات، بل عبر التخطيط العادل وتوزيع الموارد وفق حاجات السكان.
نحو عقد اجتماعي محلي جديد
إن مذكرة أزرو ليست مجرد وثيقة مطلبية، بل هي اختبار حقيقي لمدى التزام المجالس المنتخبة بروح الدستور الجديد، الذي جعل من العدالة المجالية والمقاربة التشاركية ركيزتين للحكامة المحلية.
وفي انتظار تجاوب رئيس المجلس الجماعي لأيت ملول مع هذه المرافعة، تبقى الكرة في ملعب المنتخبين لإثبات أن “الإنصات للمواطن” ليس مجاملة انتخابية، بل واجب تنموي وأخلاقي، وأن العدالة المجالية ليست شعارًا نظريًا، بل حقًّا أساسيا في المواطنة.




