اهتزت عمالة إنزكان أيت ملول الشهر الماضي على وقع قرار مفاجئ وغير مسبوق بإنهاء مهام العامل إسماعيل أبو الحقوق، الذي قضى في منصبه سبع سنوات منذ غشت 2018. جاء هذا الإعفاء دون إعلان رسمي عن أسبابه، لكنه تزامن مع حملة إعلامية غير مسبوقة اتهمت العامل بالتورط في تجاوزات تتعلق بتحويل وعاء عقاري مخصص لمؤسسة تعليمية إلى مركز تجاري لصالح شركة "SAKANE 3D". لكن، وفي تحول دراماتيكي يضع الرواية الإعلامية تحت مجهر الشك، كشف تحقيق مستقل ومعمق، أجراه خبراء قانونيون ومتخصصون في الشأن العقاري، عن معطيات تفصيلية تناقض بشكل قاطع الأساس الذي بنيت عليه الاتهامات. هذا التحقيق، الذي اعتمد على وثائق رسمية ومسار قانوني معقد للعقار المثير للجدل، يطرح تساؤلاً جوهرياً ومقلقاً: هل كان قرار إعفاء العامل أبو الحقوق مستنداً إلى معطيات مغلوطة وفبركة إعلامية، أم أن الدافع الحقيقي وراء هذا القرار الإداري المتسرع يكمن في ملفات أخرى لم يتم الكشف عنها بعد؟ "أكاذيب" وسقوط للتخصيص بالقوة القانونية يقلب التحقيق الرواية المتداولة رأساً على عقب، بدءاً من ملكية العقار ومساره القانوني. فالعقار، الذي كان في الأصل مخصصاً كمرفق عمومي في تصميم تهيئة عام 2002، سقط تخصيصه للمنفعة العامة "بقوة القانون" عام 2012، وذلك لعدم قيام الجهات العمومية باقتنائه خلال العشر سنوات التي كانت سارية فيها الوثيقة التعميرية، وهو ما تنص عليه صراحة المادة 28 من قانون التعمير 25.90. هذا التحرير القانوني للعقار هو ما سمح لشركة "العمران" (التي ورثت العقار من المؤسسة الجهوية للتجهيز والبناء) ببيعه لشركة "TISLIT SAKAN" عام 2017، ضمن عملية تبادل عقاري معقدة. الأمر الأكثر إثارة للجدل هو ما كشفه التحقيق بشأن "مدرسة 2021". فقد تبين أن ما روج له إعلامياً كتصميم تهيئة ملزم، لم يكن سوى "وثيقة عمل تحضيرية ودراسة أولية" قدمتها الوكالة الحضرية، لا تكتسي أي صبغة قانونية. وقد تم استبعاد مقترح المدرسة منها من قبل اللجان التقنية والإقليمية لأسباب موضوعية، أهمها وجود مدرسة خاصة قائمة بالجوار وعدم توافق مساحة العقار مع معايير وزارة التربية الوطنية (5000 متر مربع كحد أدنى). وبناءً عليه، تم توطين المرفق المدرسي في موقع آخر أكثر ملاءمة ضمن تصميم التهيئة النهائي المصادق عليه في يوليوز 2023. مسطرة الترخيص: نفي لشبهة استغلال النفوذ بالانتقال إلى مسطرة الترخيص لشركة "SAKANE 3D" (التي اشترت العقار لاحقاً)، ينفي التحقيق بشكل قاطع ادعاءات "استغلال النفوذ" أو الحصول على "رخصة استثنائية" مزعومة لم يعد معمولاً بها منذ عام 2020. فقد خضع الملف للمسطرة القانونية العادية عبر المنصة الرقمية "ROKHAS"، ومر بجميع مراحل الدراسة من قبل الوكالة الحضرية والجماعة وقسم التعمير بالعمالة. بل والأكثر دلالة، هو أن عملية الترخيص استغرقت قرابة 5 أشهر، وهي مدة أطول من المألوف، مما ينسف أي شبهة بـ"التسريع" أو "المعاملة التفضيلية" التي روجت لها بعض المنابر. أسئلة معلقة تدمغ الرواية الرسمية أمام هذه المعطيات، يجد فريق التحقيق نفسه أمام حقيقة قانونية واضحة: العقار كان محرراً قانونياً من أي تخصيص، ومسطرة الترخيص احترمت كل الضوابط المعمول بها. وهذا يقودنا إلى طرح سلسلة من الأسئلة المنطقية التي تضع علامات استفهام كبرى على أساس قرار الإعفاء: كيف يُعقل أن تبيع شركة "العمران" الحكومية عقاراً لو كان لا يزال مثقلاً بالمنفعة العامة؟ كيف سمحت المحافظة العقارية بتحفيظ عقار مخصص لمرفق عمومي وتمرير ملكيته لشركات خاصة؟ لماذا لم تقدم مديرية التعليم أو الجماعة أي تعرض خلال مساطر التحفيظ أو البحث العمومي لتصميم التهيئة لو كان العقار بالفعل مخصصاً لمدرسة؟ هذه الأسئلة تقود إلى استنتاج واحد محتمل: أن قرار إنهاء مهام العامل إسماعيل أبو الحقوق "استند، على الأرجح، إلى معطيات مغلوطة وفبركة إعلامية". الخلاصة والبحث عن الدافع الخفي إذا كانت المعطيات القانونية والوثائق الرسمية تبرئ العامل أبو الحقوق من التهم التي بني عليها الإعفاء الإعلامي، فإن السؤال الحقيقي يتحول من "ماذا فعل العامل؟" إلى "ما هي الأسباب الحقيقية وغير المعلنة التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار الإداري المفاجئ والسريع بإنهاء مهام رجل ظل في منصبه لسنوات؟" هل يتعلق الأمر بتصفية حسابات؟ هل هي ضغوط من جهات أخرى تسترت وراء الغطاء الإعلامي؟ أم أن هناك ملفات أخرى ذات حساسية لم يكشف عنها بعد؟ إن لغز إعفاء عامل إنزكان أيت ملول لا يزال معلقاً، وفي غياب تبرير رسمي مقنع، تبقى الحقيقة الحقيقية طي الكتمان، وتتأكد الحاجة إلى مزيد من الشفافية لرفع اللبس عن قرار تداعياته تجاوزت شخص العامل إلى ثقة الرأي العام في نزاهة القرارات الإدارية العليا.