
مرة أخرى، تتحول سواحل تونس إلى مسرح لمأساة إنسانية جديدة، بعدما لقي 40 مهاجرا من إفريقيا جنوب الصحراء، بينهم نساء وأطفال، حتفهم إثر غرق قارب للهجرة غير النظامية قبالة سواحل المهدية، هذه الحادثة، التي ليست الأولى من نوعها، تسلط الضوء على الوضع المأساوي الذي أصبحت عليه طرق الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط، حيث تحولت الرحلة نحو الأمل إلى رحلة نحو الموت.
ما يجري على السواحل التونسية لم يعد مجرد حوادث عرضية، بل ظاهرة مأساوية متكررة تكشف عمق الأزمة الإنسانية التي يعيشها آلاف المهاجرين الأفارقة الباحثين عن حياة أفضل في أوروبا. فاليوم، أصبحت مياه البحر المتوسط، وبخاصة السواحل الممتدة بين تونس وإيطاليا، مقابر مفتوحة تبتلع أحلام الفقراء والمهمشين الذين يفرون من الفقر والحروب والاضطهاد.
تونس، التي تحولت في السنوات الأخيرة إلى نقطة عبور رئيسية نحو الضفة الشمالية، تواجه ضغطا غير مسبوق نتيجة تزايد تدفقات المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء.
غير أن ضعف الإمكانات، وغياب التنسيق الكافي بين دول المنطقة، وصرامة السياسات الأوروبية في ما يتعلق بالهجرة، كلها عوامل ساهمت في تفاقم المأساة، فبدل أن تكون تونس محطة أمان مؤقتة، أصبحت بالنسبة للكثيرين نقطة النهاية المأساوية.
الحادث الأخير يطرح من جديد أسئلة مؤلمة حول مسؤولية المجتمع الدولي في حماية المهاجرين، وحول مدى نجاعة المقاربات الأمنية التي تتبناها بعض الدول لمواجهة الظاهرة، فالتعامل مع الهجرة غير النظامية من زاوية أمنية فقط، دون معالجة الأسباب العميقة التي تدفع الناس إلى ركوب البحر، لا يمكن إلا أن يؤدي إلى تكرار الكارثة، إن الفقر، وانعدام فرص العمل، والاضطرابات السياسية في العديد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، تبقى عوامل رئيسية تدفع الأفراد إلى المخاطرة بحياتهم بحثا عن مستقبل غامض.
إن المشهد على السواحل التونسية اليوم يختزل مأساة أكبر تمتد عبر المتوسط، حيث تتقاطع المعاناة الإنسانية مع العجز السياسي. فكلما غرق قارب، تتجدد الدعوات إلى وضع استراتيجية شاملة تتجاوز المقاربة الأمنية لتشمل التنمية والتعاون الإقليمي والتضامن الإنساني. غير أن الواقع يبرهن أن تلك النداءات غالبا ما تضيع وسط حسابات سياسية ضيقة وصراعات حول المسؤوليات.
إن حادثة المهدية ليست مجرد رقم جديد في قائمة طويلة من الكوارث، بل جرس إنذار يذكر بأن المتوسط لم يعد بحرا يربط القارات، بل صار خطا فاصلا بين عالمين: عالم يحلم بالحياة، وآخر يغلق أبوابه في وجه اليائسين. وبين الاثنين، تظل سواحل تونس شاهدة على واحدة من أكثر المآسي الإنسانية إيلاما في زمننا الحديث.



