لماذا هرب رئيس جماعة ايت ملول من “تمحيص” الصحفيين المهنيين واختار “الذبابة الخضراء”؟

لطالما احتلت جماعة أيت ملول مكانة رائدة ومتميزة في مجال النشر الاستباقي للمعلومات والتواصل المؤسساتي مع الرأي العام، وهو مجهود يتماشى مع التوجهات العامة للدولة نحو تعزيز الشفافية ومكافحة الأخبار الزائفة. غير أن هذا المسار الإيجابي يبدو وكأنه قد تضرر بشكل كبير بقرار “إعلامي” غريب ومثير للجدل اتخذه رئيس الجماعة مؤخرًا، وهو قرار يرى فيه المتتبعون للشأن المحلي ضربًا لكل المجهودات المؤسساتية في الصفر.

الـ “بسطيلة” تعود… في نسختها الإعلامية
الواقعة التي اختارها رئيس الجماعة للتواصل لم تكن عبر القنوات الرسمية أو المنابر الإعلامية المهنية المعروفة، بل تمثلت في الخروج على صفحة على منصات التواصل الاجتماعي، معروفة بـ “صباغتها” وتمجيدها المفرط لأشخاص وشركات وحتى محلات تجارية عادية. المفارقة هنا تكمن في هوية صاحب هذه الصفحة، المشهور بـ “الخرجة” التي تلت مؤتمرًا لحزب الأحرار، حيث ربط نجاح الحزب في الانتخابات بجودة ونوعية الأكل المقدم للمناضلين، وبالأخص “البسطيلة” الشهيرة!

هذا الاختيار يطرح تساؤلات جدية حول المخرجة الإعلامية للرئيس القيسوني، التي يبدو أنها ضربت عرض الحائط بكل الجهود التراكمية للجماعة في بناء صورة مؤسساتية شفافة ومهنية. فبالانتقال من ريادة في التواصل إلى اختيار منصة “تنتحل صفة صحفية”، تكون الرئاسة قد تجاوزت المبادئ المتعارف عليها في التواصل المؤسساتي، وناقضت السياق العام الذي تنهجه الدولة للحد من الأخبار الزائفة وتطوير المشهد الإعلامي بعيدًا عن “منتحلي الصفة”.

هروب من التحميص المهني؟
يرى متتبعون للشأن المحلي أن اختيار الرئيس لهذه الصفحة تحديدًا لم يكن عبثيًا، بل قد يكون محاولة لتمرير خطاب كان سيكون حتمًا محط “تحميص” وتدقيق من طرف صحفيين مهنيين عارفين وملمين بملفات الجماعة وقادرين على مساءلة المعطيات والأرقام بدقة. المنصة المختارة تضمن “بيئة صديقة” للخطاب، خالية من النقد الجدي أو التحليل العميق.

وما زاد العجب في هذه الواقعة هو التناقض الصارخ في الخطاب ذاته. إذ اختار الرئيس “ذبابة خضراء” – في إشارة إلى لون شعار تلك الصفحة التي تفتقر للمهنية- لينطلق منها في مهاجمة ما أسماه “الذباب الإلكتروني”، وهي مفارقة تنير العجب بعينه؛ أن يستعين مسؤول بـ “منصة غير مهنية” ليهاجم “حسابات مهنية”، ليجد نفسه بذلك متورطًا في دائرة الجدل الإعلامي الهش الذي كان يهدف إلى محاربته.

يظل السؤال قائمًا: لماذا تتخلى جماعة رائدة في الشفافية عن مكتسباتها وتختار التموضع في خانة “الإعلام الملون”؟ وهل يعي الرئيس أن اللجوء إلى مثل هذه القنوات يقلل من مصداقية المؤسسة الرسمية، ويفتح الباب واسعًا أمام التشكيك في جميع مجهوداتها، مهما كانت قيمتها؟ إن ريادة أيت ملول الإعلامية تستحق ما هو أرقى وأكثر مهنية من “صباغة” مجهولة الهوية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى