التحديد الإداري رقم 290: حينما يُختزل الحق في الملكية في ورقة صفراء من عهد الحماية

لا يزال ملف التحديد الإداري رقم 290، الذي جرى اعتماده كأساس لتحفيظ أراضي سيدي بيبي وآيت اعميرة باسم الجماعة السلالية، يثير الكثير من الجدل، ليس فقط لأنه مسّ آلاف الهكتارات التي تحوزها الساكنة منذ أجيال، بل لأنه أعاد إلى الواجهة سؤالًا أعمق: هل من المشروع أن نستند اليوم إلى قرارات صدرت في عهد الحماية الفرنسية، لنزع ملكيات خاصة، دون تعويض أو تشاور أو حتى فتح باب التعرض؟

وثيقة صادرة عن وزارة الداخلية،تقدم معطيات دقيقة حول المسطرة: تحديد إداري انطلق سنة 1948، إعلان بالجريدة الرسمية سنة 1949، ولم يُستكمل إلى أن صدر الرسم العقاري سنة 2018. لكن هذا المسار، وإن بدا قانونيًا على الورق، يغفل عن عمد أو عن جهل، الأسئلة القانونية والدستورية التي تفرض نفسها في مغرب ما بعد دستور 2011.

السياق الاستعماري لا يصنع شرعية دائمة
من المثير للدهشة أن الإدارة لا تزال تعتبر نصوصًا استعمارية صادرة في أربعينات القرن الماضي مرجعًا يمكن الاعتماد عليه في قضايا تهم ملكية المواطنين. هل نحتاج لتذكير البعض أن الظهير الصادر سنة 1924 جاء في ظرفية سياسية استعمارية لا تراعي لا المساواة ولا العدل ولا الحيازة الشرعية؟ وهل يُعقل أن يتحول تحديد إداري عمره 70 عامًا، لم يُفعّل في حينه، إلى أداة قانونية صالحة لانتزاع ملكيات اليوم؟

خرق صارخ لآجال المساطر وضرب لحق التعرض
أخطر ما في هذا الملف ليس التحديد نفسه، بل الطريقة التي تم بها إحياؤه. فبعد سبعة عقود من الجمود، تم فجأة إنشاء رسم عقاري جماعي ضخم سنة 2018، دون إعادة إعلان أو فتح المجال للتعرضات، في خرق واضح لظهير التحفيظ العقاري الذي يُعد من ركائز حماية الحقوق العقارية بالمغرب. والأخطر أن هذا الرسم يضم 16 دوارًا دون تحديد دقيق للحدود، وهو ما يُسقط عنه شروط الدقة والوضوح القانونية.

ازدواجية المعايير وتمييز في التمليك
المفارقة الصادمة أن جماعة إنشادن، المشمولة أيضًا بنفس التحديد رقم 290، تم تمليك أراضيها للسكان، بينما حُرمت ساكنة سيدي بيبي وآيت اعميرة من نفس الحق، رغم تماثل الوضعية. فأين المساواة أمام القانون؟ وأين تفسير هذا التمييز؟ إننا أمام تطبيق انتقائي للنصوص، وهو ما يشكل خطرًا على مبدأ الأمن القانوني ويهدد السلم الاجتماعي.

الملكية ليست منحة… بل حق دستوري
الفصل 35 من الدستور المغربي واضح: الحق في الملكية مضمون، ولا يمكن المساس به إلا وفق مسطرة نزع الملكية مقابل تعويض عادل. فهل تم نزع هذه الأراضي قانونيًا؟ وهل عُوّضت الساكنة؟ الجواب، للأسف، هو لا. وبهذا يكون ما وقع خرقًا للدستور قبل أن يكون خرقًا لأي ظهير أو قانون.

 

لا يمكن أن نستمر في الدفاع عن قرارات اتخذت في زمن الاحتلال، ونعتبرها ملزمة لمواطنين يعيشون في مغرب الاستقلال والدستور والملكية الاجتماعية. هذا التحديد الإداري، بهذا الشكل، لم يعد مجرد وثيقة تقنية، بل بات اختبارًا حقيقيًا لمدى احترام الدولة للقانون، ولمدى قدرتها على إقرار العدالة العقارية للمواطنين البسطاء.

إن مراجعة هذا الملف لم تعد ترفًا، بل ضرورة دستورية وقانونية وأخلاقية. وعلى البرلمان، والقضاء، والجهات المعنية، أن يتحملوا مسؤوليتهم في تصحيح هذا المسار، ورفع الحيف عن الساكنة، والقطع مع كل إرث استعماري يُستعمل اليوم ضد أبناء الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى