
في محاولة لاحتواء موجة الانتقادات المتصاعدة بشأن أزمة الماء الصالح للشرب، أصدرت جماعة سيدي عبد الله البوشواري بيانًا توضيحيًا للرأي العام، أكدت فيه التزامها بتحقيق التنمية المستدامة، وتحدثت عن عدد من المشاريع والشراكات التي تزعم أنها في طور الإنجاز أو البرمجة. إلا أن البيان، على طوله، لم يجب عن سؤال محوري يتردد على ألسنة الساكنة: لماذا لا يصل الماء إلى منازلنا رغم كل هذه “المشاريع”؟
حين تُختزل المطالب في “نظرية المؤامرة”
من بين ما يثير الاستغراب في بيان المجلس الجماعي لسيدي عبد الله البوشواري، هو إصراره الضمني على الإيحاء بوجود “حملات مغرضة” أو “مزايدات سياسية” تقف خلف نشر الانتقادات، وكأن المطالبة بالماء، وهو حق دستوري، لا يمكن أن يكون نابعًا من معاناة حقيقية لساكنة تعيش تحت رحمة الصهاريج. إن اللجوء إلى هذا النوع من الخطاب الدفاعي، القائم على التبرير والتهرب من المسؤولية، لا يخدم المصلحة العامة، بل يكرّس منطقًا مؤسفًا يعتبر كل صوت نقدي تهديدًا، وكل سؤال محرج “مؤامرة”.
الصحافة المستقلة، كما باقي مكونات المجتمع المدني، ليست طرفًا في أي حسابات انتخابية، بل تقوم بواجبها المهني في تسليط الضوء على اختلالات تعوق التنمية وتسيء لصورة المؤسسات. وإن كانت هناك مزايدات، فهي تلك التي تتجلى في مشاريع “الزواق” والتظاهرات التلمعية التي لا تنعكس على الواقع اليومي للمواطن البسيط. أما المقال، فلا هو موجه ضد شخص، ولا خلفه أجندة، بل هو مرآة لواقع عطِش لا يمكن تلميعه ببيان رسمي.
لغة الأرقام في مقابل واقع العطش
البيان تحدث عن ملايين الدراهم، وشراكات مع مؤسسات وطنية، ومخططات حفر وتزويد، بل واستعرض “كتيبة” من التدخلات التقنية واللوجستية. غير أن هذا الكم من التفاصيل لم يُقنع الساكنة التي ما زالت تصطف في طوابير أمام الصهاريج المائية، والتي دُعيت — بشكل “بيروقراطي” — إلى تسجيل أسمائها وكأنها تطلب إحسانًا لا حقًا دستوريا.
إن تحويل المواطنين إلى “أرقام تسجيل” للحصول على أبسط حقوقهم هو في حد ذاته إدانة غير مباشرة لسياسة المجلس، الذي يبدو أنه يُتقن لغة المشاريع الورقية أكثر من إتقان توفير الماء على أرض الواقع.
المسؤولية لا تُغلف ببلاغات
توقيت البيان ليس بريئًا. فقد جاء مباشرة بعد نشر مقالنا السابق المعنون بـ”سيدي عبد الله البوشواري: بين مهرجانات الزّواق وعطش الساكنة”، والذي أثار نقاشًا واسعًا حول الأولويات التنموية في الجماعة. وبينما اعتبر البعض البيان “محاولة يائسة للرد”، يراه آخرون “تكتيكًا اتصاليًا لإطفاء الغضب بدل مواجهته”.
لكن الحقيقة لا تتغير: لا مشاريع “شّعة” ولا شراكات على الورق يمكنها أن تخفي واقع العطش، الذي أصبح روتينًا يوميًا لأسر بأكملها. إن حجم الأموال التي تُنفق في أماكن أخرى، وعلى أمور أقل أهمية، يجعل التساؤل مشروعًا: هل فعلاً تعجز الجماعة عن ضمان وصول الماء؟ أم أن هناك خللًا في ترتيب الأولويات؟
الشفافية ليست شعارًا
في ختام بيانها، تحدثت الجماعة عن “الشفافية، والفعالية، والتواصل الدائم مع الساكنة”. لكن هل يكفي إصدار بلاغ بلغة رصينة لاعتبار ذلك “تواصلاً شفافًا”؟ أين محاضر الاجتماعات؟ أين تقرير الإنفاق العمومي؟ من يحاسب من؟ وكيف تُصرف الميزانية؟ وما الجدوى من مشاريع احتفالية في ظل غياب الماء؟
ما يغيب عن بيان الجماعة هو الاعتراف بالمسؤولية المباشرة، ووضع جدول زمني دقيق يوضح متى وأين وكيف سيتم تجاوز الأزمة، بعيدًا عن لغة التسويف الإنشائي.
أزمة حكامة.. لا فقط أزمة موارد
إذا كانت الجماعة تقول إن مشكل الماء سببه التغير المناخي، فإن الواقع يقول إن الأزمة بنيوية: غياب التخطيط الاستباقي، ضعف في الحكامة، وتدبير غير رشيد للموارد، هي الأسباب الحقيقية التي تجعل ساكنة دواوير كاملة تنتظر “الصهريج” بدل انتظار صنبور في البيت.
الرسالة من الساكنة: لا بلاغ يروي العطش
خلاصة ما يشعر به المواطن البسيط في سيدي عبد الله البوشواري هي أن “البلاغات لا تروي العطش، وأن الإنشاء لا يُغني عن الماء”. وما لم تتوقف سياسة الترقيع، فإن أي تبرير، كيفما كانت لغته، سيظل مجرّد محاولة فاشلة لتلميع صورة مشروخة.