جدل حول مشروع سكني بآيت ملول: بين اتهامات “السطو على مرافق عمومية” وتوضيحات الجماعة

تعيش مدينة آيت ملول على وقع جدل كبير بعد نشر جريدة “الأخبار” لمقال يتهم ما وصفه بـ”مافيا العقار” بالسطو على أراضٍ كانت مخصصة لبناء مرافق عمومية، عبر استغلال رخص استثنائية منتهية الصلاحية. ويثير المشروع السكني الذي يهم تجزئة المغرب العربي نقاشًا حادًا، وسط تبادل للاتهامات بين الصحافة المحلية والجماعة الترابية.

اتهامات بالجملة من جريدة “الأخبار”
في تحقيق استقصائي نشرته جريدة “الأخبار” بتاريخ 6 مايو 2025، كشفت الوثائق التي حصلت عليها الجريدة عن ما اعتبرته “أكبر عملية سطو على أراض عمومية” في مدينة آيت ملول. واتهم المقال شركة عقارية باستغلال رخص استثنائية لم تعد معتمدة، مما سمح لها بتحويل أراض مخصصة للفيلات والمرافق العامة إلى عمارات سكنية متعددة الطوابق.

وأشارت الجريدة إلى أن المشروع كان في الأصل يهدف إلى إنشاء منطقة سكنية متكاملة تضم فيلات ومرافق عمومية، إلا أن مشاكل قانونية وتنازع على الأراضي منذ سنة 1992 حالت دون إتمامه بالشكل المخطط له. وبعد نزاع قانوني، تم تفويت العقار لشركة خاصة في سنة 2019، مما أثار استياء الساكنة.

وحسب المقال، فإن المشروع الحالي لا يلتزم بالتصميم الأصلي، حيث تم استبدال الفيلات بعمارات من صنف R+4، دون إنجاز المرافق العامة التي كانت مقررة مثل المسجد، الملحقة الإدارية، المساحات الخضراء، والمستوصف الصحي.

رد جماعة آيت ملول: توضيح ورفض للاتهامات
في رد قوي ومفصل، أصدرت جماعة آيت ملول بيانًا توضيحيًا يرفض ما وصفته بـ”المغالطات” الواردة في مقال الجريدة، مؤكدة أن المشروع السكني يتماشى بشكل كامل مع ضابط تصميم التهيئة المصادق عليه.

وأوضحت الجماعة أن مشروع السكن الاجتماعي تم وفق المساطر القانونية المعمول بها منذ سنة 1992، مع سرد زمني مفصل يشمل مراحل الترخيص والتفويت، مرورًا بإعادة الترخيص سنة 2019، وحصول الشركة على رخصة البناء سنة 2022. وأكدت الجماعة أن المشروع يتضمن مرافق عامة تشغل 60% من المساحة الإجمالية، تشمل ملحقة إدارية، مسجد، قاعة متعددة الاستعمالات، ومساحات خضراء واسعة.

كما شددت الجماعة على أن المشروع سيحقق مكاسب مالية مهمة عبر مداخيل رخص البناء والرسوم المهنية، ويعزز البنية التحتية دون تحميل ميزانية الجماعة أعباء مالية إضافية.

منطق سياسي أم سوء فهم؟
في الوقت الذي تبرز فيه جريدة “الأخبار” وثائق تشير إلى مخالفات قانونية واستغلال غير مشروع للعقار، تدافع الجماعة عن المشروع كخيار تنموي يستجيب لتطلعات الساكنة ويعزز العدالة المجالية.
وتساءلت الجماعة في بيانها عن “أجندات سياسية” محتملة وراء نشر المقال، معتبرة أن بعض الأطراف تحاول استغلال الملف لتشويه صورة المجلس الجماعي.

مرافق مجانية ومكاسب للجماعة
من بين أبرز ما قدمته الجماعة كحجة، هو التزام الشركة العقارية بتهيئة مرافق عامة دون أي تكلفة على الجماعة، ما يخفف من العبء المالي ويدعم البنية التحتية للمدينة. وشددت على أن هذه المرافق ستعزز جودة الحياة بالمنطقة، وتسهم في التنمية الاجتماعية.

رأي الخبراء والقانونيين
يؤكد بعض المتتبعين للشأن المحلي أن القضية معقدة وتستوجب تحقيقًا معمقًا من الجهات المختصة لتحديد مدى قانونية التصرفات المرتبطة بتفويت العقار، خاصة مع تباين الروايات بين الطرفين. ويرى آخرون أن المسؤولية مشتركة بين المجلس الجماعي والسلطات المحلية في توضيح الأمور للرأي العام.

تظل قضية مشروع آيت ملول مفتوحة على احتمالات عديدة، وسط تضارب المعطيات بين ما تزعمه الجريدة وما تؤكده الجماعة. ويبقى الحل الأمثل هو فتح تحقيق نزيه وشفاف لتبيان الحقائق، ومحاسبة أي جهة تثبت تورطها في استغلال غير قانوني للعقار العمومي.
في انتظار ذلك، يترقب الرأي العام توضيحات إضافية من الجهات الرسمية، خاصة في ظل حساسية الموضوع الذي يمس التنمية المحلية وحق الساكنة في المرافق العامة.

 

 

مقال جريدة الأخبار:

كشفت وثائق حصلت عليها جريدة «الأخبار» تورط شركة متخصصة في العقار في أكبر عملية للسطو على أراض كانت مخصصة لبناء مرافق عمومية بمدينة أيت ملول، باستعمال رخصة استثنائية منتهية الصلاحية.

وتشير المعطيات إلى أن تجزئة المغرب العربي بمدينة أيت ملول تعتبر واحدة من أكبر المشاريع العمرانية التي تم الترخيص لها منذ سنة 1992، تضم أكثر من 600 فيلا ومجموعة من المرافق العمومية الحيوية، وكان الهدف الأساسي من المشروع هو إنشاء منطقة سكنية متكاملة تجمع بين الفيلات والمرافق العامة، غير أن تنفيذ المشروع واجه منذ بدايته مجموعة من العراقيل القانونية والإدارية، خاصة في ما يتعلق بجزء من التجزئة يمتد على مساحة 3 هكتارات.

 

نزاع يوقف المشروع لسنوات طويلة

توقفت الأشغال بهذا المشروع لسنوات طويلة، بسبب نزاع بين شركة «العمران»، بصفتها صاحبة المشروع، وبين بعض المستغلين لأراضي المياه والغابات، مما حال دون تنفيذ التصميم الأصلي الذي كان يقتضي تخصيص هذه المساحة لفيلات ومرافق عمومية حيوية تخدم السكان، وبعد حل النزاع عن طريق مساطر قضائية، تم تفويت هذه المساحة لشركة عقارية خاصة، قامت بتشييد إقامات سكنية متعددة الطوابق عوض الفيلات التي كانت مبرمجة سابقا، وعدم الالتزام بتنفيذ المرافق العامة الحيوية التي كان من المفترض إنجازها، وفقا للترخيص الأصلي.

ووفق للمعطيات الرسمية الواردة في السجلات العقارية، فإن الأرض التي تحتضن المشروع مسجلة تحت الرسم العقاري رقم 09/82354 بالمحافظة العقارية بإنزكان، وتعود ملكيتها إلى شركة العمران سوس ماسة، وتشير البيانات إلى أن هذا العقار كان مخصصا أساسا لإنجاز مرافق عمومية ومساحات خضراء، إلى جانب فيلات بهدف توفير بيئة عمرانية متكاملة تستجيب لحاجيات السكان، غير أن التنفيذ الفعلي لهذا المخطط لم يتم كما كان مقررا، إذ لم تنجز المرافق العامة المبرمجة، وبدلا من ذلك تم استغلال هذه المساحة من طرف شركة خاصة لبناء إقامات سكنية متعددة الطوابق.
وينص التصميم الأصلي للمشروع على إنشاء بنيات تحتية ضرورية لتحسين جودة العيش وتلبية احتياجات السكان، ومن بين المرافق التي كان يفترض إنجازها، مسجد كبير ومقر مقاطعة إدارية ومستوصف صحي ومكتب للبريد، بالإضافة إلى مساحات خضراء عمومية، ومحلات تجارية تابعة للمسجد، ومرابد لوقوف سيارات.

وحسب الوثائق، فقد تقدمت شركة «العمران» في سنة 2013 بطلب إلى لجنة الاستثناءات، من أجل تحويل الجزء غير المنجز من التجزئة إلى منطقة سكنية مخصصة للسكن الاقتصادي والاجتماعي، وذلك عن طريق تغيير تصنيف الأراضي غير المستغلة لإنجاز عمارات سكنية من نوع R4 (إقامة من أربعة طوابق)، بدل الفيلات التي كانت مقررة في التصميم الأصلي، وفعلا حصل المشروع على موافقة لجنة الاستثناءات في سنة 2014 في سياق مرحلة كان فيها العمل بالرخص الاستثنائية مسموحا كإجراء مؤقت لتحفيز الاستثمار، غير أن الإجراء، الذي كان يهدف في البداية إلى إزالة العراقيل أمام المشاريع ذات الطابع الاقتصادي والاجتماعي، تحول لاحقا إلى أداة للتحايل على قوانين التعمير، حيث استغلته بعض الشركات العقارية لتحقيق مكاسب غير مشروعة، دون الالتزام بشروط التراخيص الاستثنائية، وهو ما دفع الحكومة إلى إلغائه رسميا، بعد تسجيل تجاوزات مماثلة في العديد من المشاريع العقارية.

 

شروط لجنة الاستثناءات

وضعت لجنة الاستثناءات شروطا صارمة لضمان احترام التوازن العمراني للمشروع، والحفاظ على المرافق العامة المبرمجة التي كانت ضمن التصميم الأولي، تجنبا لأي تأثير سلبي على جودة العيش بالمنطقة، بالإضافة إلى تهيئة طريق استراتيجية تربط المشروع بشارع المسيرة الخضراء ودار التكافل، لضمان ربطه بشبكة الطرق الرئيسية، وهو ما لم يتم تنفيذه حتى الآن.

ومن بين الاختلالات المسجلة في المشروع هو تفويت رخصة الاستثناء إلى شركة خاصة، علما أن هذه الرخصة تكون ملزمة قانونيا وحصريا للشركة التي طلبت الاستثناء، كما أن رخصة الاستثناء تلزم صاحبها بالشروع في الأشغال داخل أجل أقصاه ستة أشهر، لكن الشركة العقارية حصلت على ترخيص البناء في سنة 2022، أي بعد مرور ثماني سنوات عن تاريخ الحصول عليه، وأكدت المصادر أن قرار الاستثناء فقد قيمته القانونية، بسبب عدم احترام الشروط الزمنية الملزمة لتنفيذه.

وحسب الوثائق، فقد تم تفويت جزء من تجزئة المغرب العربي من طرف شركة العمران سوس ماسة لفائدة شركة عقارية خاصة، وذلك بموجب شهادة بيع مؤرخة في 9 يناير 2019، ويشمل العقار المفوت مساحة إجمالية تقدر بـ28.262 مترا مربعا، وهو مسجل تحت الرسم العقاري 09/82354، وطبقا للتصميم الأصلي للتجزئة، فإن هذا العقار هو ما تبقى من التجزئة، وهو عبارة عن مرافق عمومية ومساحات خضراء كان على المجلس الجماعي أن يضمها إلى ممتلكاته، إضافة إلى جزء فارغ خصص لإحداث 20 فيلا.
وتمت عملية التفويت بمبلغ 8.244.000.00 درهم لفائدة شركة خاصة تنشط في مجال الإنعاش العقاري، كانت تتوفر على اتفاقية شراكة مع الدولة لتنفيذ مشاريع السكن الاجتماعي منذ سنة 2017، غير أن هذا التفويت شابته عدة إشكالات قانونية، إذ كان العقار خاضعا لقرار استثنائي صدر سنة 2014، نص على تحويل المنطقة إلى عمارات سكنية من نوع R4، لكن بشرط التزام الشركة المالكة بإنجاز مرافق عمومية.

 

اختلال النسيج العمراني

رغم أن قرار الاستثناء كان واضحا في اشتراط تنفيذ هذه المرافق، إلا أنها لم تنجز، ولم تتسلم الجماعة الترابية أي تجهيز عمومي من المرافق التي كانت مقررة في التصميم الأولي. وبدلا من ذلك، تم تفويت العقار للقطاع الخاص، حيث تم تشييد إقامات سكنية متعددة الطوابق، وهو ما أدى إلى اختلال في النسيج العمراني للمنطقة وحرمان السكان من الخدمات الأساسية، التي كان من المفترض إنجازها لتوفير بيئة سكنية متوازنة.

وإضافة إلى ذلك، فإن هذا التفويت قد تم استنادا إلى رخصة استثنائية لم تعد معتمدة، حيث إن إلغاء العمل بالرخص الاستثنائية جاء تحديدا لمنع مثل هذه التجاوزات التي شهدها هذا المشروع، إذ تم تحويل عقار كان مخصصا للمرافق العمومية إلى مشروع عقاري مخالف للأهداف الأصلية المخصصة له، وبناء على ذلك، يصبح استمرار المشروع وفق مقتضيات هذه الرخصة فاقدا لأي سند قانوني.

وكشفت الوثائق الرسمية عن وجود تناقضات جوهرية في هوية الشركة المستفيدة من عملية التفويت، حيث تم توقيع العقد الأصلي باسم شركة ذات سجل تجاري وتعريف ضريبي محددين، إلا أن العقد النهائي تم إبرامه باسم شركة أخرى، تم إنشاؤها حديثا، بعد التشطيب على الشركة الأولى، وتؤكد الوثائق أن الشركة الجديدة التي استلمت العقار لم تكن طرفا في الاتفاقية الأصلية مع الدولة، ولم تكن لها أي صفة قانونية تؤهلها للاستفادة من العقار المفوت، مما يجعل الترخيص الممنوح لها غير قانوني من حيث الأساس، وتشير الوثائق إلى أن ملف طلب الترخيص الذي قدمته الشركة الجديدة، تضمن القانون الأساسي لهذه الأخيرة، لكنه كان مرفقا بنسخة من اتفاقية مع الشركة الأصلية، مما يثير شبهة التلاعب في وثائق المشروع للالتفاف على الشروط التي كانت مفروضة على الشركة الأولى.

رد جماعة ايت ملول:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى