الحي لا يعيش وسط الموتى : إقلاع أكادير وسط جهة ميتة !!!!

بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين


أكادير عاصمة سوس ،اكادير وسط المغرب، أكادير مدينة الإنبعاث ،اكادير المدينة الذكية، أكادير مدينة صديقة البيئة ، أكادير بوابة إفريقيا ، أكادير ثاني مدينة سياحية…
هذه هي أكادير ،وهكذا يتم الإشتغال على أكادير ،وهكذا يراد لأكادير ان تكون ،و هذا ما يجعل من أكادير ورشا مفتوحا و مشروعا منفتحا على المستقبل .
ولأنها عاصمة الجهة فقبل ان تستقطب سياحا من خارج البلاد و تستقطب مغاربة من مختلف ربوع الوطن ، فإنها بالضرورة و وجوبا تعد ملادا لساكنة الجهة يقصدونها لقضاء حوائجهم .
العمالة يكون أغلب سكانها حضر ويكون عدد السكان الحضر أكبر من عدد القرويين، أما الإقليم فهو عكس ذلك تماما ويكون فيه عدد السكان القرويين أكبر من السكان الحضر.
جهة سوس ماسة تتكون من عمالتين هما أكادير إداوتنان وإنزكان آيت ملول؛ وأربعة أقاليم : اشتوكة آيت باها، وتارودانت، وتزنيت، وطاطا، التي تنتظم في 175 جماعة 21 منها جماعة حضرية.
إن تركيبة الجهة تجعل من أكادير مركزا حضريا محاطا بمراكز قروية ،و هذا يفرز لنا ظواهر جد معقدة في علاقة المدينة بمحيطها .
الذي يسكن جماعات اداوتنان ينتابه الغبن والإحساس بالدونية حين يرى ان جماعته القروية تعاني من ضعف المسالك و غياب البنية التحتية و تدهور القطاع الصحي و التعليمي ،و غياب فرص الشغل و محدودية الدخل ، و لكنه لمجرد ان يركب حافلة نقل حضري – إن وجدت او النقل السري و هو الموجود بل ووصل حتى وسط المدينة في سفوح الجبال و أنزا – ، يصل إلى الحضارة ، وكأن الكيلومترات القليلة التي تفصل جماعته عن مدينة أكادير هي من عالم الى عالم و من كوكب الى كوكب !!!!!
في حين تبدو تقسيمات العمالة إداريا تحتاج الى تجميع ، فامسكروض لا مبرر ان تفصل عن اضمين ،و اقصري هي جزء من أورير ، و إموزار هي وتقي و ازيار تصلح ان تجمع في جماعة واحدة ، و يمكن ان تضاف لها أيت اوعزون (تدرارت) ، ففي حقيقة الأمر إداوتنان تحتاج فقط لست جماعات كبيرة .
ما يحدث باكادير إداوتنان يحدث بتارودانت كاكبر اقاليم المملكة ب 89 جماعة من اصل 175 جماعة بالجهة ، جماعات مفلسة ، محدودة الميزانية ،و معدومة الموارد ، و ساكنة بين السهول و في اعلى الجبال بنفس اوضاع إداوتنان في التعليم و الصحة و النقل .
قد يرى هؤلاء القرويون الحضارة وهم يزورون عاصمتهم تارودانت او هوارة/ اولاد تايمة ،لكن ما إن يصلوا الى أكادير حتى يدركوا ان الفوارق كبيرة .
وبدل المطالبة بخلق إقليمين بتارودانت وجب التفكير بعيدا عن السياسة و ارضاء السياسيين في وضع تصور لتجميع الجماعات الصغيرة في جماعات كبيرة . كضم الجماعات المحيطة باولاد تايمة الى المدينة و نفس الحال بالنسبة للجماعات الصغيرة المحيطة بتارودانت ، و كذلك الحال بتالوين .
يمكن في تصور تقريبي ان يتم تقليص عدد الجماعات من 89 جماعة إلى قرابة خمسين جماعة موزعة على خمسة اقطاب كبرى للإقليم .
أما انزكان ايت ملول فهي العمالة الثانية بالجهة باعتبارها تضم جماعات حضرية و لكن المتأمل في تكوينها سيدرك بكل سهولة اننا امام تقطيع إداري سياسي لساكنة يجمعها قطب اقتصادي ، فلا تجد مبررا لأن يقسم انزكان عن أيت ملول و الدشيرة و يكون مفهوما وجود قرى تمسية واولاد دحو و القليعة .
يمكن لمدن إنزكان أيت ملول ان تشكل قطبا حضريا في مدينة واحدة و تصبح القرى المجاورة لها قطبا شبه حضري .
شتوكة أيت باها حكاية أخرى ، يضم إقليم اشتوكة أيت باها جماعتين حضريتين و20 جماعة قروية، ويسكنها 370 ألف نسمة ،
والعارف بجغرافية الإقليم سيدرك ان تقسيم منطقة أيت باها و منطقة ماسة إلى جماعات صغيرة هو ضرب من المحاباة القبلية و توزيع الغنيمة الانتخابية ،و خلق جماعات بلا برامج تنموية ولا ميزانيات ولا مدخول ولا موارد سوى ارضاء وجهاء الإقليم المقيمين في العاصمتين الإدارية و الاقتصادية للمملكة .
اشتوكة ايت باها تحتاج الى ثلاثة اقطاب: السهل و الجبل و الساحل ، وهذا تنوع يجب استثماره في التنمية بدل هذا التقطيع الإداري الذي يستنزف المال و الرجال !!!
لن اتحدث عن تزنيت وطاطا رغم تواجدهما في الجهة ،لأن طاطا تعاني عزلة في جهة الشرق الجنوبي ، و موقعها يعطيها خصوصية لا يمكنها أن تنجذب نحو أكادير اكثر من إنجذابها نحو كلميم و الصحراء ،
اما تزنيت فهي حية و دينامية و دورها كبير في استقطاب محيطها اليها ،مما يجعلها قادرة على احتواء محيطها و هو ما يجعل منها مدينة بنفس قيمة مدينة أكادير حضريا و استراتيجيا ، وربما تحتاج تزنيت الى قطب جامعي كبير سيجعل منها بالفعل ثاني مدينة مؤثرة بعد أكادير .
أكادير الحية ،و أكادير المتطورة ،واكادير الصاعدة بعد ان أوشكت على انهاء برنامج تنميتها الحضرية ،اصبح لزاما أن تلتفت الدولة إلى روافد المدينة من القرى الكثيرة بالجهة التي تحتاج ان يتم الحاقها بالتنمية حتى لا تكون عاملا يساهم في ترييف أكادير عبر الهجرة القروية ،و السياحة الداخلية السلبية ، حيث تصبح أكادير فضاء للتسول و السرقة و الليالي الحمراء و تجارة الأرصفة ودعارة القرويات والطفولة الهاربة من قرى التهميش …
إنهم يأتون من محيط المدينة لقضاء يوم كامل بها او لزيارة إدارية او جولة سياحية ،لكنهم مسكونون بغبن ولدته الفوارق المجالية ،مما يدفع بشبابهم قبل العودة إلى مناطقهم الهامشية /المهمشة ان يكسروا زجاج الحافلات ،و يكسروا اغصان الاشجار ،و يفتعلوا معارك الرشق بالحجارة في كل مناسبة رياضية او فنية ، وكأنهم تكونت لديهم احقاد إجتماعية وهم عاجزون عن فهم كيف أن الحضارة جاءت إلى أكادير ولم تمتد الى قراهم وداويرهم و ان البدخ في المشاريع بالمدينة لا يجب ان يكون قبل أن تنعم هذه القرى بالطرق و المسالك و المستوصفات والمدارس و المركبات الاجتماعية …
لا يمكن ان نفكر في اكادير بمعزل عن محيطه الجهوي ، و هذا المحيط الجهوي إذا كان ميتا فلا حياة بين الأموات ، و كلما تطورت أكادير كلما تعمقت الفوارق مع باقي الجهة ، و يصبح باقي الجهة عبئا ثقيلا على المركز .
وفي اعتقادي المتواضع فإن القطع مع سياسة التفريخ الإداري الذي سنه إدريس البصري ،و وضع حد للتقطيع الإداري بخلفيات عرقية و قبلية و ارضائية للأعيان ،ومنطق الالهاء السياسي للنخب ، فإن مستقبل أكادير كما نريده لن يتحقق إلا بان تشمل أكادير بنظام مجلس المدينة ،و يتم تقليص عدد الجماعات الى اكثر من النصف ،و إلغاء عمالة إنزكان أيت ملول ،و التفكير الجدي في الحاق ماسة بتزنيت و التمسية و اولاد دحو بتارودانت ، وتحويل الدراركة و امسكروض إلى جماعة واحدة بقطب اقتصادي سيكون مستقبل المنطقة .
هذه مجرد قراءة لو اتسع المجال لفصلت اكثر في تفاصيلها و بينت بالارقام والاحصائيات مبررات هذه القراءة و مرتكزاتها.
لكن ما هو مؤكد ،انه حان الأوان لنفتح ورش النقاش حول البنية الإدارية للجهة حتى تعيش أكادير الحية بين الاحياء ….
فهل تعتبرون ؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى