لا يمكن لتبون العسكر ان يدلي بتصريح او ان يلقي خطابا، دون ان يتسبب في كوارث تبعث على السخرية والضحك، بالنظر إلى ما تتضمنه هذه الخرجات التبونية من مواقف وسلوكيات أقرب إلى الفنطازيا والسريالية منها إلى الواقع المرّ الذي يعيشه الشعب الجزائري المغلوب على امره في ظل تحكّم الكابرانات في رقابه وسطوهم على خيرات وثروات البلاد…
وفي هذا الإطار، أضاف الرئيس الجزائري المعين من قبل العسكر، عبد المجيد تبون، حقبة جديدة في تاريخ البلاد الحديث، أسماها “العشرية المافياوية”، في إشارة إلى حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة وطواقمه الحكومية، متغافلا عن حقيقة أنه كان أحد وجوه تلك الحقبة، حيث شغل تبون عدة مناصب خلالها، أقلها رئيس دائرة وأعلاها رئيس وزراء.
وحمّل الرئيس الجزائري رموز الحقبة السياسية الماضية مسؤولية الفساد المالي والسياسي وتبديد المال العام وإرساء ما أسماه بـ”العشرية المافياوية”(المافيوزية)، في إشارة إلى النخب الرسمية والمالية التي أحاطت بالرئيس الراحل بوتفليقة وكبدت البلاد نزيفا اقتصاديا كبيرا وصل، حسب بعض الأرقام المتداولة، إلى تبديد 1500 مليار دولار، على مدار العقدين الأخيرين.
ورغم أن تبون كان أحد رموز تلك المرحلة، حيث تدرج منذ بداية مشواره المهني في مختلف المناصب والمسؤوليات، وشغل مناصب وزارية ورئيس حكومة، إلا أنه وجد في قرار إقالته العام 2017 من رئاسة الحكومة بعد 80 يوما من تعيينه فيها، بإيعاز من القوة المالية النافذة حينها في السلطة، ثم سجن ابنه خالد العام 2019، بدعوى الضلوع في شحنة الكوكايين الضخمة التي ضبطت في مايو 2018 بسواحل وهران، ذريعة لصناعة المسافة بينه وبين رفاقه وزملائه المسجونين، وغسل يديه من شوائب ما وصفه بـ”العشرية المافياوية”.
وخلال حضوره احتفالية اليوم العالمي للعمال في مبنى المركزية النقابية (الاتحاد العام للعمال الجزائريين)، تحول الرئيس الجزائري إلى نقابي يدافع عن الطبقة الشغيلة، واستغل المناسبة للإعلان عن عدة قرارات، أبرزها الرفع مجددا في معاشات المتقاعدين، والعودة إلى نظام الثلاثية، وهي الاجتماعات التي تنعقد عشية كل دخول اجتماعي، بين الحكومة وأرباب العمل والشركاء الاجتماعيين.
وأكد تبون، في كلمة أمام الحضور من منتسبي الاتحاد العام للعمال الجزائريين والنقابات الوطنية المستقلة، والضيوف والمدعوين، أن “الجزائر اليوم في مأمن بفضل النتائج المحققة في السنوات الأخيرة، لاسيما القرارات المتخذة في كافة المجالات، خاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي”.
وقال “أطمئن الشعب الجزائري وطبقة العمال أن الجزائر اليوم أصبحت في مأمن والأمور عادت إلى مجراها الطبيعي، بعد الوضعية المزرية التي كانت عليها بلادنا قبل العام 2019، وهي آخر سنة من عشرية مافياوية، وأن كل القرارات التي تم اتخاذها تصب في مصلحة العمال وبناء جزائر قوية”.
وفي تلميح إلى خيارات الحكومات السابقة، التي كان يشرف عليها على وجه التحديد رئيسا الوزراء المسجونان أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال، واللذان اشتغل تحت إمرتهما كوزير خاصة في قطاع السكن، انتقد تبون ما أسماه بـ”خطابات البهتان التي كانت تدعي عجز الخزينة عن دفع أجور العمال، ووصول احتياطي الصرف إلى أدنى مستوياته والفساد الذي نخر كل القطاعات خلال عشرية حكم العصابة التي تم فيها التخلي كلية عن الطبقة العاملة والمتوسطة والطبقة الهشة”.
واعتبر أن “تلك الممارسات كان الهدف منها إحباط معنويات الجزائريين وتسليم البلاد للخارج من خلال وضع الجزائر في يد صندوق النقد الدولي”.
وأعرب عن تأييده لاقتراح الأمين العام للاتحاد العام للعمل الجزائريين عمر تاقجوت، بخصوص الآلية الجديدة لعقد الثلاثية، غير أنه اشترط ألا تكون مثل الثلاثيات السابقة التي بقيت قراراتها حبرا على ورق.
وجدد “التزامه القاطع بعدم اللجوء إلى الاستدانة الخارجية، وفاء لعهد شهداء الثورة التحريرية المباركة ولكل من ضحى من أجل البلاد، وأقول وبكل فخر واعتزاز أن الإنتاج الوطني أصبح بارزا على المستوى الداخلي والخارجي في ظرف أربع سنوات رغم أزمة وباء كورونا، وأنه يتعين علينا مواصلة بناء اقتصاد قوي، بعيدا عن الريع والاعتماد على المحروقات”.
وفي معرض حديثه عن المكاسب التي حققتها بلاده، أشاد بالمستثمرين وملاك المؤسسات الناشئة، خاصة فئة الشباب، الذين ساهموا برأيه في تقليص فاتورة الاستيراد للعديد من المنتجات التي أصبحت تصنع محليا، فخلال العام 2022 تم تصدير ما قيمته سبعة مليارات دولار خارج قطاع المحروقات مع السعي لرفعه إلى 11 مليار دولار.
وجدد حديثه عن المشروع الجزائري – القطري لإنتاج الحليب المجفف بالجنوب، والذي يهدف إلى التوقف عن استيراد هذه المادة وتحقيق الاكتفاء الذاتي فيها، فضلا عن أن إنجاز السكنات أصبح يتم بمواد محلية ومن طرف مؤسسات جزائرية.
وفي رسالة لطمأنة الفئات الاجتماعية الهشة، أعاد التذكير بـ”القرارات ذات الطابع الاجتماعي التي اتخذها في السنوات الأخيرة من بينها رفع الحد الأدنى للأجر الوطني المضمون، واستحداث منحة البطالة وحماية ذوي الدخل الضعيف، إلى جانب مكافحة المضاربة”.
وفي سلوك يذكر الجزائريين بأسلوب التملق للحاكم الذي هيمن على الساحة خلال عقدين ماضيين، قام التنظيم النقابي المقرب من السلطة بتكريم الرئيس تبون، وتوشيحه بلقب “النقابي الأول”، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان ممارسات سابقة ساهمت في الاحتقان والغضب الشعبي الذي فجر احتجاجات الحراك الشعبي على مدار عامين كاملين.