الباعة الجائلون في أيت ملول: بين تحديات الاقتصاد غير المهيكل والسعي نحو إدماج عادل

في شوارع جماعة أيت ملول، يمثل الباعة الجائلون شريحة واسعة من الاقتصاد غير المهيكل، الذي يضم آلاف الأسر التي تعتمد على دخل يومي هش، بعيدًا عن أي حماية اجتماعية أو تأطير قانوني. وعلى الرغم من مساهمة هذا القطاع في تنشيط الحركة التجارية وتوفير سلع بأسعار معقولة، فإن انتشاره العشوائي يطرح إشكالات قانونية وحضرية، تدفع إلى البحث عن حلول توازن بين ضرورة التنظيم وضمان حقوق هؤلاء الباعة.

معاناة يومية وتحديات متعددة

يعيش الباعة الجائلون في أيت ملول واقعًا صعبًا، حيث يفتقرون إلى عقود عمل أو تأمين صحي، مما يعرضهم لمخاطر مالية وصحية، خاصة في ظل تقلبات السوق. كما أن احتلالهم للملك العمومي يؤدي إلى عرقلة حركة السير وتشويه الفضاء الحضري، مما يثير استياء السكان ويضع السلطات أمام تحدي إيجاد حلول عادلة.

من الناحية القانونية، يخول القانون التنظيمي 113.14 لرئيس المجلس الجماعي صلاحيات لتنظيم هذا النشاط، إلا أن التطبيق العملي يواجه عقبات، أبرزها محدودية الموارد اللوجستية والبشرية، بالإضافة إلى التعقيدات الاجتماعية المرتبطة بضرورة مراعاة البعد الإنساني في أي تدخل.

تجربة “فضاء الشهداء”: خطوة إيجابية رغم التعثر

في محاولة لتنظيم القطاع، أطلقت جماعة أيت ملول مبادرة “فضاء الشهداء”، وهو سوق مجهز يهدف إلى إدماج الباعة الجائلين ضمن إطار منظم. وعلى الرغم من أن هذه الخطوة تعد إيجابية من حيث المبدأ، فإنها واجهت تحديات في التنفيذ، مثل تأخر الافتتاح وتردد بعض الباعة في الالتحاق بالمشروع بسبب الخوف من فقدان زبائنهم المعتادين.

كما أثيرت انتقادات حول شفافية معايير اختيار المستفيدين، حيث احتج بعض الحرفيين على إقصائهم من العملية. ومع ذلك، تبقى هذه التجربة نموذجًا أوليًا يمكن تطويره ليكون حلًا ناجعًا، شريطة أن تصحح أوجه القصور وتوسع نطاقها لتشمل عددًا أكبر من الباعة.

دعوات إلى تدخل أوسع وحلول شاملة

في ظل التعثر النسبي للحلول المحلية، برزت مطالب من المجتمع المدني والسكان بتدخل السلطات الإقليمية لوضع خارطة طريق واضحة لتنظيم القطاع. وتشمل هذه المطالب:

تسريع إنجاز المشاريع الهيكلية، مثل أسواق القرب المجهزة، التي توفر مساحات منظمة للباعة.
ضمان شفافية التوزيع وشمولية المعايير لتفادي الاحتجاجات.
توفير بدائل واقعية قبل أي عملية إخلاء للملك العمومي، حتى لا يترك الباعة دون مصدر رزق.
إشراك جمعيات الباعة في صياغة الحلول لضمان تلبيتها لاحتياجاتهم.
نحو مقاربة توفيقية

لا يمكن فصل قضية الباعة الجائلين عن الإشكالات الاقتصادية والاجتماعية الأوسع في المغرب. فالحلول الترقيعية لن تنجح دون مقاربة شاملة تجمع بين:

التنظيم الحضري عبر توفير بنى تحتية ملائمة.
الحماية الاجتماعية عبر إدماج الباعة في أنظمة التأمين الصحي والضمان الاجتماعي.
التنمية الاقتصادية عبر تمكينهم من الولوج إلى التمويل والتكوين لتحسين نشاطهم.

إن معالجة قضية الباعة الجائلين في أيت ملول – وغيرها من المدن المغربية – تتطلب إرادة سياسية وتنسيقًا بين الجماعات المحلية والسلطات الإقليمية والفاعلين الاجتماعيين. فقط عبر مقاربة إنسانية وعادلة يمكن تحقيق توازن بين ضرورة احترام القانون وضمان الحق في العيش الكريم لهذه الفئة التي تشكل عصبًا حيويًا في الاقتصاد المحلي.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى