
في الآونة الأخيرة، عجّت منصات التواصل الاجتماعي بصور وفيديوهات توثق لأعمال إجرامية خطيرة مشاهد صادمة تظهر شبابًا مدججين بالسلاح الأبيض، يعتدون على المارة أو ينفذون عمليات سرقة بشكل علني، ما أثار موجة قلق وتساؤلات واسعة حول ما يحدث في الشارع العام، وطرح فرضية “انعدام الأمن” كمبرر مباشر.
غير أن تحميل المسؤولية للأجهزة الأمنية وحدها يبقى اختزالًا مخلًا للواقع، خاصة وأن مصالح الأمن والدرك تقوم يوميًا بحملات متواصلة تستهدف النقاط السوداء، وتُسجل توقيفات منتظمة في صفوف المشتبه فيهم. بل إن بعض هذه العمليات تُنفذ بشكل استباقي بفضل تحريات ميدانية ومعلومات استخباراتية دقيقة.
العمق الاجتماعي للأزمة
بعيدًا عن المقاربة الأمنية، تبقى أسباب الجريمة أعمق وأكثر تعقيدًا. أولها البطالة التي تطال فئة واسعة من الشباب، خاصة في الأحياء الهامشية، حيث تنعدم فرص التشغيل والتكوين، ما يجعلهم فريسة سهلة لشبكات ترويج المخدرات، التي توزع الأدوار مقابل فتات من المال أو حتى مقابل جرعة استهلاكية من “الشيرا”.
ثانيها، ضعف التربية وغياب المراقبة الأسرية. فالكثير من الآباء والأمهات إما غائبون عن حياة أبنائهم بسبب الانشغال أو التفكك الأسري، أو غير قادرين على ضبط سلوكياتهم نتيجة انعدام التواصل والتوجيه داخل البيت.
13.3% معدل بطالة.. وشباب المدن هم الأكثر تضررًا
وفقًا لأحدث مذكرة إخبارية صادرة عن المندوبية السامية للتخطيط، ارتفع معدل البطالة في المغرب سنة 2024 إلى 13.3%، مقابل 13% في 2023. ويصل المعدل في المناطق الحضرية إلى 16.9%، وهي نسبة تعكس هشاشة الوضع الاجتماعي لشريحة واسعة من الشباب.
كلفة التوسع الأسري بدون إمكانيات
ومن الزوايا التي نادراً ما يتم تسليط الضوء عليها في هذا السياق، نجد مسألة عدم تنظيم النسل داخل عدد من الأسر ذات الدخل المحدود. فبينما تعتمد العديد من الدول الأوروبية على سياسة الاكتفاء بطفل أو اثنين كحد أقصى لكل أسرة، بما يتماشى مع قدرتها الاقتصادية والتربوية، نجد في مجتمعاتنا أسرًا تتكون من أربعة أو خمسة أبناء، وأحيانًا أكثر، دون قدرة حقيقية على إعالتهم أو توجيههم بالشكل الصحيح.
هذا الضغط الديمغرافي داخل الأسرة الواحدة لا يؤدي فقط إلى هشاشة اقتصادية، بل يضعف أيضًا قدرة الآباء على متابعة ومواكبة كل الأبناء، ما يفتح الباب أمام الانحراف والهروب من المدرسة، والانجراف نحو الشارع والانخراط في سلوكيات إجرامية.
الحل في التربية والتنمية لا فقط في الزجر
كل هذه العوامل تضعنا أمام حقيقة واحدة: المقاربة الأمنية ضرورية، لكنها ليست كافية. فمحاربة الجريمة لا يمكن أن تنجح إلا إذا تم تبني رؤية شمولية تشمل إصلاح الأسرة، دعم المدرسة العمومية، تأطير الشباب، توفير فرص العمل، وتشجيع الأسر على تنظيم النسل بما يتناسب مع قدرتها على التربية والرعاية.
الصور المنتشرة على وسائل التواصل ما هي إلا نتيجة، أما الأسباب الحقيقية فتكمن في العمق الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. وإذا لم تتم معالجتها بجرأة وتخطيط، فسيظل الأمن يلاحق الجريمة، دون أن يتمكن من اجتثاثها من جذورها.
A.Boutbaoucht