منذ عام 2008، خطا المغرب خطوات هامة نحو تعزيز قدرته على مواجهة الكوارث الطبيعية والتغيرات المناخية، وذلك بدعم من البنك الدولي. تحول النهج المغربي من الاستجابة للكوارث بعد وقوعها إلى نهج استباقي يهدف إلى الحد من المخاطر وتعزيز صمود السكان والبنية التحتية،هذا و تم تمويل وتنفيذ أكثر من 230 مشروعًا، بلغت قيمتها 304 ملايين دولار، مما أسهم في تحسين حياة 400 ألف شخص بشكل مباشر و33 مليون شخص بشكل غير مباشر. وشمل ذلك إنشاء مديرية لتدبير مخاطر الكوارث، واعتماد إستراتيجية وطنية لتدبير المخاطر (2021-2030). كما تم تفعيل أنظمة إنذار مبكر في أربع أقاليم، مما أفاد 240 ألف شخص في مواجهة الفيضانات،وأثبت المغرب جدارته في اعتماد نظام تأمين لمواجهة الكوارث، حيث تم صرف 300 مليون دولار بعد زلزال الحوز عام 2023، في خطوة تعكس استعداده المالي لمواجهة الكوارث الكبرى.
مشروع الحواجز الوقائية: حماية مدينة أيت ملول من فيضانات وادي سوس بدعم دولي
تعتبر مدينة أيت ملول، الواقعة بالقرب من وادي سوس، واحدة من المناطق الأكثر تعرضًا لخطر الفيضانات في المغرب، خاصة خلال فصل الشتاء، عندما تتزايد التساقطات المطرية. وادي سوس، الذي يشكل مجرى مائيًا رئيسيًا في المنطقة، يصبح في هذه الفترة مصدر تهديد للمناطق السكنية والبنية التحتية الحيوية المحيطة به. عند ارتفاع منسوب المياه، يفيض الوادي ويغمر الأحياء والمناطق الفلاحية، ما يؤدي إلى خسائر مادية جسيمة ويعرض السكان لمخاطر كبيرة.
في هذا السياق، يعد مشروع إنجاز الحواجز الوقائية من الفيضانات في واد سوس من بين المشاريع الأساسية التي تهدف إلى حماية مدينة أيت ملول والمناطق المجاورة من مخاطر الفيضانات المتكررة. المشروع يهدف إلى تنظيم تدفق المياه وتوجيهها بعيدًا عن المناطق المأهولة، وذلك لتقليل الخسائر وحماية الأرواح والممتلكات،وقد حظي المشروع بدعم مالي من البنك الدولي والاتحاد الأوروبي، اللذين ساهما في تعزيز قدرة المملكة المغربية على الصمود في مواجهة الكوارث.
خروقات في أشغال الحواجز الوقائية
إلا أن هذا المشروع، الذي من المفترض أن يمثل حماية لسكان المدينة، أصبح محل جدل واسع بعد تصريحات العضو الجماعي محمد مشتهرير، الذي أشار إلى وجود خروقات كبيرة في تنفيذ الأشغال المتعلقة بالحواجز الوقائية. نشر مشتهرير تدوينة على منصة فيسبوك، أشار فيها إلى أن هذه الخروقات يمكن ملاحظتها بالعين المجردة، وذكر منها:
تفاوت ارتفاع الحواجز من منطقة إلى أخرى، ما بين أحياء أزرو، تمرسيط، وأيت أوجرار.
– عدم انتظام مسار الحواجز الوقائية على طول الوادي، مما يقلل من فعاليتها في حماية المناطق المهددة.
– التسليم المؤقت للأشغال رغم بقاء المخلفات من الأتربة هنا وهناك بجنبات الوادي، ما يشير إلى عدم استكمال المشروع بشكل كامل.
الجدل حول رصد أموال إضافية:
ورغم هذه الخروقات، تفاجأ أعضاء المجلس الجماعي بمصادقة المجلس على رصد مبلغ مالي قدره 150 مليون سنتيم إضافية لصالح المقاولة المكلفة بإعداد الحواجز الوقائية في وادي سوس. هذا المبلغ، الذي تم توفيره من الضرائب المحلية، أثار استياء بعض أعضاء المجلس، خاصة أن المشروع لم يكتمل بعد وتمت المصادقة على صرف المستحقات التي قدرت بحوالي 40 مليون درهم دون تقديم مبررات واضحة.
خلال جلسة يوم الجمعة 28 يونيو 2024، تدخل محمد مشتهرير بصفته مستشارًا جماعيًا معارضًا، معبرًا عن رفضه لهذه الخطوة وطالب الرئيس بتقرير لجنة تتبع الأشغال الذي يشير إلى هذه الخروقات، إلا أن الرئيس تهرب من الإجابة مؤكدًا أنه سيتم معالجة الموضوع لاحقًا، كما أشار إلى أن المبلغ رُصد تحت بند “مراجعة الأثمان” دون تقديم وثائق تثبت ذلك.
مراسلات وتصعيد في الجدل
كرد فعل على ما جرى، وجه رئيس المجلس مراسلة إلى محمد مشتهرير، في خطوة غير معتادة، يطلب منه تقديم الخروقات التي صرح بها خلال أشغال الدورة الاستثنائية لشهر يونيو 2024، وكذلك التدوينات التي نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي. الرئيس برر هذه الخطوة بأنها تهدف إلى إحالة تلك الخروقات على المصالح والمؤسسات المعنية لاتخاذ الإجراءات اللازمة وترتيب الجزاءات.
ومع ذلك، يرى بعض المتابعين أن ما يتعين على الرئيس فعله هو تشكيل لجنة تقنية مختلطة لمتابعة المشروع وضمان استكماله وفقًا للمعايير المطلوبة، بدلًا من توجيه المراسلات التي قد تفسر كمحاولة للتهرب من المسؤولية ومصادرة حق عضو المجلس في إبداء ملاحظاته وانتقاداته.
حاجة المدينة لمشاريع حيوية أخرى
في ظل هذا الجدل حول المشروع، يثير بعض أعضاء المجلس والجماعة مطالب أخرى أكثر إلحاحًا، مثل إحداث ملاعب القرب، تحسين شبكة الإنارة العمومية، وتوفير خدمات أخرى تفتقر إليها المدينة. يرى هؤلاء الأعضاء أن الأموال الإضافية التي تم رصدها للمقاولة كان الأجدر أن تُوجه نحو هذه المشاريع، التي تلبي احتياجات السكان اليومية وتساهم في تحسين جودة الحياة في أيت ملول.
يبقى مشروع الحواجز الوقائية في وادي سوس مشروعًا حيويًا لمستقبل مدينة أيت ملول، إلا أن تنفيذ المشروع بشكل سليم وشفاف يبقى تحديًا كبيرًا. يجب على المسؤولين المحليين السعي لضمان أن يتم إنجاز هذا المشروع وفقًا للمعايير الهندسية المطلوبة، دون إهمال أي خروقات قد تؤثر على سلامة السكان أو جودة الأشغال.