تقول الحكاية إن فيلسوفا أراد تجريب الشائعات وسحرها وانتقالها داخل مجتمعه المتخلف وسرعة انتشارها بالتضخيم والإضافة، فحدث زوجته بسر طلب أن يبقى بينهما وقال إنه تفاجأ بأنه يبيض وباض بيضة واحدة بالفعل، فقامت الزوجة بإخبار جارتها أن زوجها باض بيضتين، وأخبرت الأخيرة زوجها وأضاف بيضة ثالثة في نقله للشائعة، حتى وصلت الشائعة إلى مقهى شعبي كان يرتاده الفيلسوف فوجد الناس يتحدثون بصوت خافت عن كونه باض سلة من البيض مرة واحدة.
مناسبة الحكاية هي حروب الشائعات التي أصبحت تستخدم في ملفات حساسة متعددة مثل السياحة والهجرة السرية ومافيا الاتجار بالبشر بالمغرب، وذلك لتواجد الأجواء الملائمة لانتشارها واحتضانها وتضخيمها من قبل المنصات الاجتماعية التي أصبحت هي الفاعل الرقمي الأكثر انتشارا بين الشباب والمراهقين، وتواصل برمجة وتأطير جيل المستقبل بحشو العقول بمواد فاسدة وسموم يسري مفعولها بجسم المجتمع لتفكيكه وتمييع كل شيء والتحريض على خرق القانون وكسر احترامه، بعيدا عن التربية الدينية والوطنية المتوازنة.
لا يمكننا البقاء بسجن النظرة الساخرة أمام الشائعات واستصغار تأثيرها، خاصة عندما تتعلق بمواضيع حساسة ترتبط بالأمن العام والسلم الاجتماعي واحترام القانون والمؤسسات وأهداف خبيثة لركوب الملفات الاجتماعية الحارقة، لأن من يطلق الشائعة لا يهمه أن يكتشف الناس عدم صحتها بعد زوال مفعول التخدير، بقدر ما يهمه تحقيقها لأهداف خطيرة يمكن أن تتمثل في استهداف رموز البلاد أو تسفيه وتلطيخ سمعة المؤسسات وخلق أجواء عدم الثقة وقتل الأمل في الحاضر والمستقبل باستعمال علم التأثير النفسي المتطور في ظل تربة خصبة متمثلة في البطالة والأمية وكارثة فوضى وسائل التواصل الاجتماعي.
الخطير في الشائعات هو قدرتها الهائلة على تدمير المجتمعات المتخلفة وتضاعف الأضرار بسرعة البرق، بالمقارنة مع الدول المتقدمة التي تتوفر على مناعة قوية بفعل جودة التعليم وقدرة المتلقي على نقد وتمحيص كل المعلومات التي يتوصل بها، إلى جانب الاهتمام بالقراءة وتتبع المستجدات العالمية، وغياب الأرضية المناسبة لانتشار الشائعات وغلق أبواب الأعطاب الاجتماعية أمامها والتصدي لها بإعلام قوي والمعلومة الدقيقة وحرية التعبير المؤطرة بالقانون.
إن انتشار الشائعات يمكنه تدمير المجتمع والاقتصاد والمؤشرات التنموية في لحظات قياسية، لأن انتقالها يكون سريعا في المجتمعات التي تستخدم الوسائل الرقمية عن جهل كبير، وكل ما تفعله فئة كبيرة من هؤلاء هو إعادة التدوير والمشاركة لمواد وفيديوهات وصور دون تمحيص أو قراءة نقدية أو النظر في المصدر، حتى إذا اختلطت الأمور وتحولت الشائعات إلى أحداث ميدانية، تتواصل عمليات الفبركة المكثفة والتضخيم لتوسيع دائرة الفتنة وحرق الأخضر واليابس.
نقول هذا من قبيل الاستباقية، وثقتنا كبيرة في مؤسساتنا الرسمية لردع كافة الشائعات، كما نذكر أننا أمام مواجهة الواقع العالمي الذي لا يرتفع ويتطلب التخطيط الجيد والاحترافي للمستقبل المتوسط والبعيد، حيث البقاء للشعوب الأقوى من ناحية العلم والوعي وتحسين الظروف الاجتماعية والاقتصادية، ما يمكن من خلق مناعة كافية للتصدي لحروب الشائعات التي تضربنا من طرف تيارات متعددة داخلية وخارجية.
علينا الإسراع بإخراج تشريعات قانونية تتصدى لفوضى المنصات الاجتماعية ووقف نزيف فوضى النشر والتشهير وتبادل المعلومات الكاذبة دون تدقيق، مع تقوية المناعة المجتمعية بالعودة لترسيخ وتقوية الإيمان بديننا الحنيف والمعتقدات والتاريخ والهوية المغربية، وإشغال شبابنا بما ينفعه من علم وتكوين ليكون كمثل الأشجار الباسقة التي لا تحركها رياح حروب الشائعات المدمرة ولا تنال منها عواصف الصراعات الإقليمية والعالمية.