
✍️ عبدالله بوشطارت
اتضح من خلال لقاءات وتجمعات الأحزاب، خاصة التي تتزعم المشهد السياسي بأكثرية المقاعد وليس بقياس الوزن السياسي، أنها تعاني من فقر مهول في الخطاب السياسي وجفاف فكري وخواء ايديولوجي ومرجعي وفلسفي . قيادة الأحزاب غير قادرة على بلورة خطاب مقنع بسبب غياب التكوين السياسي والفكري، وافتقاد أحزابها إلى مرجعيات ومنظومات ثقافية وأيديولوجية تستطيع من خلالها بلورة مشاريع وبرامج سياسية مقنعة. بقدرما هي تجمعات كبيرة للأعيان ورجال المال وأصحاب الثورة والنفوذ الذين راكموا رأسمالهم وثروتهم من خلال هيمنتهم على مناصب الدولة وعلى تدبير قطاعات حكومية استراتيجية وتمكنوا من نسج علاقات وروابط وطيدة بين المال والسياسة، لذلك نشاهد اليوم صراع مصالح بين اقطاب اقتصادية ومالية وإقطاعية كبيرة، خاصة بين الحزب الذي يتبوأ الرتبة الأولى والحزب الذي يتسابق معه في الرتبة الثانية، فهما يقودان الأغلبية الحكومية وكل واحد يقصف الآخر، فهذه ليست ثنائية قطبية وإنما احادية القطب الذي يدور على نفسه، لأن الحزبين خرجا من نفس الرحم، ويتقاسمان نفس النهج والأسلوب ، ليس لهما لا مرجعية فكرية ولا سياسية وخط ايديولوجي، يتصارعان لاستقطاب اكبر عدد ممكن من اصحاب المال الكبار وأعيان الانتخابات …
الشعب المغربي في حاجة إلى السياسة، إلى نقاش فكري وسياسي راقي ، إلى تدافع وتنافس الأفكار والبرامج والمرجعيات…وامام موت اليسار وفشله السياسي والحكومي في التجارب السابقة، وعجزه عن بلورة أفكاره ومقاربته إلى برامج وسياسات عمومية ملموسة تنعكس ايجابا على حياة الفقراء والمهمشين و ذوي الدخل المحدود الذين يشكلون غالبية الفئات الشعبية والطبقة الوسطى ، وفشل الإسلاميين الذين لم تسعفهم حماستهم الدينية وشعبيتهم لا في الإصلاح ولا في محاربة الفساد والاستبداد …فعمقوا من جراح الأزمات الاجتماعية والاقتصادية للشعب المغربي، وقدموه قربانا لأحزاب المال والمصالح وفعلت به ما شاءت ولاتزال تتمادى في مسرحة المشهد وقتل ما تبقى من آمال المغاربة في عمل سياسي جاد ومسؤول…
ماذا تبقى إذن أمام انهيار اليسار وانشطاره وفشل الإسلاميين الذين تبنوا مرجعيات سياسية وفكرية مستوردة وقاموا بإعادة انتاج خطاب سياسي عقيم لم تنتجه التربة المغربية، …ولم يفرزه النبوغ المغربي…فتجارب يسار البعث الاشتراكي والإسلام السياسي لابن تيمية، قادوا المغرب إلى الاصطدام بالحائط اقتصاديا واجتماعيا وفكريا وهوياتنا وثقافيا
ويبقى الأمل في المشروع السياسي والحضاري الكبير بمرجعية امازيغية ، لقيادة تغيير حقيقي في البنيات والأفكار والنظم ، من الاسفل بهدوء تام، وبتفكير رصين ورزين…فلا يمكن للحركة الأمازيغية التي خاضت معارك على كافة المستويات افقيا وعموديا، داخل الدولة والمجتمع، بالداخل وبالخارج، ولمدة تجاوزت نصف قرن، لا يمكن أن لا تفرز مشروعها السياسي والحضاري للمشاركة في الحكم والقرار والتشريع وفي مسلسل البناء الديموقراطي والدفاع عن هوية ولغة وثقافة وحضارة المغرب العريق. بل من الغرابة أن تظل الحركة الأمازيغية تنتظر من الأحزاب القائمة التي حكمت المغرب لعقود طويلة وفككت كل القيم والمنظومات الأمازيغية في القانون واللغة والثقافة والفنون والحقوق والأرض والموارد والثروات وووو أن تعيد الاعتبار للأمازيغية …
فقد حاولت بعض الأحزاب القائمة ذات سلطة المال والنفوذ الاستحواذ على المرجعية الأمازيغية وافتراسها قصد استهلاكها وإفراغها من حمولتها القيمية والرمزية ومن النفس النضالي وشعلتها الديموقراطية والتزامها بالدفاع عن الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمجالية والثقافية …لكنها باءت بالفشل الذريع …ولذلك فلابد أن يفهم الجميع سواء هذه الأحزاب او من يحركها ، أن المرجعية الأمازيغية هي رديفة بالأرض وليست معلقة في السماء، يقطفها كل من يشاء، وأنها رديفة ايضاً بالحرية وبالديموقراطية…فهي تبنى من الأسفل ولا تسقط من فوق..
وأمام ما يجري في العالم من تطورات وتحولات ، فإن المرجعية الأمازيغية نبهت لخطورة تورط المغرب وتوريط المغاربة في ذلك منذ سنوات طويلة، وراكمت المرجعية الأمازيغية كخطاب سياسي وفكري مستقل داخل المجتمع، لا تربطه اية علاقة لا بالسلطة ولا باي مصالح خارجية، ما يكفي وما يعزز أحقية المغرب في ضرورة رسم مسافات الأمان مع كل ما يعتمل في الخارج خاصة في مناطق الصراعات والحروب الدينية والطائفية، فالمغرب بلد أمازيغي إفريقي له خصوصياته وأولوياته ومن حقه كبلد كامل السيادة أن يتموقع حسب ما تفرضه المصلحة العليا للوطن كما هو سائر في جميع بلدان العالم. نصوغ هذا الكلام ونحن ندري جيدا أن ورم الانفصال زرعته فلول القومية العربية في صحراء المغرب، وهي قادمة من الشرق، وكانت احزاب البعث الاشتراكي وأنظمته العربية تمول ورمها الانفصالي بالسلاح والعتاد والأحقاد لتأسيس جمهورية عربية صحراوية لتفكيك المغرب الإمبراطوري الأمازيغي ..الذي شكل دائما عقدة تاريخيّة للبعض …
فالمرجعية الأمازيغية لها تراكم تاريخي وحضاري كبير في القدرة على صياغة الموقف والتحيز والاستقلالية عن الشرق وعن الغرب. فلا حاجة لنا للتذكير بقدرة المغاربة الأمازيغ في الدفاع عن مصالح وطنهم أمام غطرسة الأمويين والعباسيين ، وايضاً دروس الأندلس تبقى مفيدة لمن يعتبر …
لذلك فالمرجعية الأمازيغية هي صمام أمان المغرب والمغاربة ، لتقوية رباطهم بهويتهم وحضارتهم وشخصيتهم الفريدة، وأيضا لقيادتهم نحو مغرب حداثي متقدم ومزدهر …