عودة الدبلوماسية الثقافية إلى مؤسسة المكتبة الوطنية: إحياء للدور الاستراتيجي

عاشت المكتبة الوطنية للمملكة المغربية ظروفًا صعبة على المستويات الإدارية والمهنية والاستراتيجية خلال ما لا يقل عن تسع سنوات، بل كادت أن تتحول إلى فضاء محدود النشاط، بعيدًا عن أدوارها المجتمعية والثقافية الكبرى. هذا التراجع أثار انتقادات واسعة من قبل الباحثين والمثقفين المحليين والأجانب، الذين رأوا في المؤسسة مجرد فضاء للأنشطة المدرسية البسيطة، بدلًا من أن تكون منصةً للفكر والحوار الثقافي العميق.
غير أن الموسم المكتبي الحالي شهد تحولًا ملحوظًا، حيث استعادت المكتبة الوطنية جزءًا من بريقها، وعادت إلى واجهة المشهد الثقافي والسياسي، من خلال مبادرات نوعية تعكس تجددًا في الرؤية الاستراتيجية تحت إدارة مسؤول جديد. هذه العودة لم تكن عادية، بل حملت دلالات دبلوماسية وثقافية عميقة، خاصة في ظل التحديات الإقليمية والدولية الراهنة.
المحطة الأولى: استقبال رصيد الفيلسوف الجزائري سالم شاكر – رسالة دبلوماسية ثقافية
في خطوة ذات دلالة كبرى، استقبلت المكتبة الوطنية رصيدًا وثائقيًا ثمينًا يضم نحو 3900 وثيقة من مكتبة الفيلسوف واللساني الاجتماعي الأمازيغي الجزائري سالم شاكر، الذي اختار المغرب لتكون محطةً لحفظ إرثه الفكري. هذا الحدث لم يكن مجرد عملية أرشفة عادية، بل كان رسالةً ثقافية وسياسية قوية، خاصة في ظل التوترات بين المغرب والجزائر.
فمن الناحية الدبلوماسية، يُعتبر هذا الاستقبال إحراجًا للسلطات الجزائرية، التي فشلت في استيعاب خطورة سياساتها المنغلقة، بينما يقدم المغرب نفسه كفضاءٍ منفتحٍ للفكر والعلماء، بغض النظر عن الانتماءات الجغرافية. كما أن المهنية العالية في معالجة هذا الرصيد، والعمل عليه ليل نهار، تؤكد أن المكتبة الوطنية عادت إلى أداء دورها كحاضنة للتراث الفكري الإقليمي.
لكن اللافت أن الأطر الإدارية لم تكن جميعها في مستوى الحدث، مما يطرح تساؤلات حول ضرورة تأهيل الكوادر لمواكبة هذه النقلة النوعية.
المحطة الثانية: النشاط الإفريقي – تعزيز الاستراتيجية الملكية
في إطار انسجامها مع التوجه الإفريقي للمغرب، نظمت المكتبة الوطنية نشاطًا إقليميًا ذا طابعٍ إفريقي، يعكس الرؤية الملكية التعاطفية مع القارة. هذا النشاط لم يكن مجرد حدثٍ عابرٍ، بل كان تأكيدًا على الدور الثقافي المغربي في إفريقيا، وكسرًا للصورة النمطية عن المكتبات كمؤسسات جامدة.
لقد نجحت المكتبة في توظيف إمكانياتها الذاتية لتعزيز حضور المغرب الثقافي في إفريقيا، مما يعكس وعيًا جديدًا بأهمية “القوة الناعمة” في السياسة الخارجية.
المحطة الثالثة: النجاح الباهر لنشاط وطني
أخيرًا، تميزت المكتبة بتنظيم نشاطٍ وطني ناجحٍ، أثبت أن المؤسسة قادرة على استعادة مكانتها كفاعلٍ رئيسي في المشهد الثقافي. هذا النجاح ليس مفاجئًا، بل هو نتاج رؤيةٍ جديدةٍ تضع الثقافة في صلب الأولويات الوطنية.

 نحو دبلوماسية ثقافية فاعلة
عودة المكتبة الوطنية إلى واجهة الفعل الثقافي والدبلوماسي ليست حدثًا عابرًا، بل هي مؤشر على إحياء دور المؤسسات الاستراتيجية في خدمة القضايا الوطنية. ومع ذلك، تبقى هناك تحديات، أبرزها ضرورة تطوير الكفاءات.

الحسن اوزغربلت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى