التعليم الخصوصي تحت المجهر: تحديات وآفاق قطاع التعليم في أكادير ونواحيها

“مع اقتراب كل موسم دراسي، تتجدد التساؤلات حول واقع المؤسسات التعليمية، سواء كانت عمومية أو خاصة، ومدى ملاءمة البرامج الدراسية لمتطلبات سوق العمل المتغيرة. هذه المشكلة ليست مقتصرة على المغرب، بل هي تحدٍ يواجه العديد من الدول في ظل التغيرات السريعة التي يشهدها العالم. وقد حذر جلالة الملك محمد السادس في خطاب سابق، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، من تدهور الوضع التعليمي، مشيرًا إلى عدم ملاءمة البرامج والمناهج التعليمية لمتطلبات سوق العمل، خاصةً مع التغيرات المتلاحقة في لغة التدريس بين المراحل التعليمية المختلفة. فعلى سبيل المثال، يشتكي العديد من أرباب العمل من نقص المهارات العملية لدى الخريجين الجدد. ودعا جلالته إلى إجراء تقييم شامل للمنجزات وتحديد نقاط الضعف في قطاع التربية والتكوين، بغية وضع الحلول المناسبة، مثل تحديث المناهج الدراسية وربطها بسوق العمل، وتطوير مهارات الطلاب العملية.”
التعليم الخصوصي: بين الواقع والطموح
في هذا السياق، يبرز التساؤل: هل التعليم الخصوصي في المغرب بمنأى عن الانتقادات التي وُجِّهت للمنظومة التعليمية العمومية؟ وهل يقدم التعليم الخصوصي بالمغرب مستوى تعليميًا متميزًا؟ أم أن البعد الربحي يسيطر عليه، في ظل غياب تعليم عمومي يلبّي تطلعات الأسر؟

واقع التعليم الخصوصي في أكادير ونواحيها
يشهد التعليم الخصوصي في جهة سوس ماسة، وخصوصًا في مدينتي أكادير وإنزكان آيت ملول، تطورًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، حيث ازدادت الاستثمارات في هذا القطاع، وأصبحت المؤسسات التعليمية الخاصة تُعتبر منافسًا حقيقيًا للمدرسة العمومية التي تعاني من تحديات متعددة.

تشير الإحصائيات إلى أن عدد مؤسسات التعليم الخصوصي في أكاديمية جهة سوس ماسة يتجاوز 200 مؤسسة، مع تركزها الكبير في المناطق الحضرية، وخاصة في أكادير وإنزكان، بينما تبقى المناطق القروية والمراكز الحضرية الأخرى بعيدة عن اهتمام المستثمرين. يُمثل تلاميذ التعليم الخصوصي حوالي 11.3% من إجمالي التلاميذ المتمدرسين في الجهة، حيث يقدر عددهم بحوالي 77,296 تلميذًا، موزعين بين التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي. ورغم هذا النمو، شهدت هذه النسبة انخفاضًا طفيفًا مقارنة بالعام السابق.

تحفيزات ودعم حكومي
ورغم التحفيزات التي قدمتها الحكومة لدعم الاستثمار في التعليم الخصوصي، مثل الإعفاءات الضريبية والدعم المالي، إلا أن القطاع لا يزال يعاني من عدة إشكاليات. من أبرزها التهرب من تأدية الواجبات الضريبية من قِبل بعض أرباب المؤسسات، مما دفع وزارة المالية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضد المتخلفين.

تساؤلات حول معايير التسعير ومصاريف التسجيل
يتجدد كل عام تساؤل الآباء حول معايير تحديد مصاريف التسجيل والتأمين في المؤسسات الخصوصية، حيث تُدمج هذه المصاريف في مبالغ مالية غير واضحة تتراوح بين 800 و1500 درهم، رغم أن قسط التأمين لا يتجاوز في الواقع 60 درهمًا في السنة. بالإضافة إلى ذلك، ارتفعت تكاليف الدراسة لتتراوح بين 800 و2500 درهم شهريًا، مما يزيد من الأعباء المالية على الأسر.

اختلالات في التسيير
تقارير عدة كشفت أن العديد من المؤسسات التعليمية الخصوصية لا تلتزم بالقوانين المعمول بها، مثل تعيين مدير لكل سلك تعليمي أو توفير مختبرات علمية مجهزة. كما يُلاحظ أن بعض المؤسسات تعتمد على أساتذة أجانب أو متقاعدين دون ترخيص، بالإضافة إلى عدم تسجيل جميع العاملين في صندوق الضمان الاجتماعي، مما يزيد من هشاشة أوضاعهم.

في ظل هذه التحديات والاختلالات، يبقى السؤال مطروحًا حول مستقبل التعليم الخصوصي في المغرب: هل يمكن أن يشكل بديلاً حقيقيًا عن المدرسة العمومية؟ وهل ستتمكن الحكومة من فرض القوانين وتنظيم هذا القطاع بما يحقق مصلحة الطلاب وأولياء الأمور؟ هذه الأسئلة تظل مفتوحة وتحتاج إلى إجابات عملية من جميع الفاعلين في الحقل التعليمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى