في ظل الثورة الرقمية التي يشهدها العالم، وتنامي دور وسائل التواصل الاجتماعي في تشكيل الرأي العام، باتت العلاقة بين المسؤولين والصحافة أشد تعقيدًا وتنوعًا. في سوس ماسة، وكغيرها من المناطق المغربية، يتجلى هذا التنوع في عدة أشكال .
الشكل الأول: الشراكة البناءة
يشهد المشهد الإعلامي في سوس ماسة نماذج مشرقة لمسؤولين يدركون أهمية الإعلام في عملية التنمية. هؤلاء المسؤولون يعتبرون الصحفي شريكًا حقيقيًا في العمل، ويتفاعلون بجدية مع الانتقادات والمقترحات التي تصل إليهم عبر مختلف المنصات. إنهم يدركون أن الصحافة هي مرآة تعكس الواقع، وأن النقد البناء هو وسيلة لتحسين الأداء.
الشكل الثاني: العداء المستحكم
على الجانب الآخر، هناك فئة من المسؤولين تعتبر الصحافة عدوًا لها، وترفض أي نقد أو اقتراح يوجه إليها. هؤلاء يرون في الصحافة تهديدًا لمصالحهم الشخصية، ويتخذون موقفًا دفاعيًا حيال أي انتقاد، حتى وإن كان مبنياً على حقائق. إنهم يفضلون الصمت والإغلاق على الحوار والشفافية.
إثارة الفتنة بين الصحفيين
هناك أيضًا نوع اخر من المسؤولين الذين يتعمدون إثارة الفتنة بين الصحفيين لإشغالهم عن القضايا الأساسية التي تهم المجتمع. هؤلاء المسؤولون يستخدمون تكتيكات لإثارة الخلافات والانقسامات بين الصحفيين. هدفهم هو تحويل انتباه الصحافة بعيدًا عن المشاكل الحقيقية التي تواجه المواطنين، وبالتالي تخفيف الضغط عليهم وتجنب المساءلة.
أسباب التباين
يمكن تفسير هذا التباين في علاقة المسؤولين بالصحافة بعدة عوامل، من بينها:
- مستوى الوعي بأهمية الإعلام: فبعض المسؤولين يدركون أهمية الإعلام في عملية صنع القرار، بينما يجهل البعض الآخر هذه الأهمية.
- الشخصية والتربية: فالشخصية القيادية الديمقراطية تميل إلى الشراكة مع الإعلام، بينما الشخصية الاستبدادية تميل إلى العداء.
- الخوف من المساءلة: فبعض المسؤولين يخافون من المساءلة، ويعتبرون الصحافة تهديدًا لمكانتهم.
- ضعف التواصل: فغياب التواصل الفعال بين المسؤولين والصحفيين يؤدي إلى سوء الفهم والتوتر.
آثار هذا التباين
لهذا التباين في علاقة المسؤولين بالصحافة آثار سلبية على المجتمع، من بينها:
- تراجع الثقة في المؤسسات: يؤدي عدم تفاعل المسؤولين مع الإعلام إلى تراجع الثقة في المؤسسات، ويزيد من الشكوك حول نواياهم.
- عرقلة عملية الإصلاح: يمنع هذا التباين من إطلاق العنان للإصلاحات، ويحرم المجتمع من الاستفادة من الأفكار والمقترحات التي تقدمها الصحافة والمواطنون.
- تدهور الحريات العامة: يؤدي التضييق على الحريات الإعلامية إلى تدهور الحريات العامة بشكل عام.
إن بناء علاقة صحية بين المسؤولين والصحافة هو شرط أساسي لتحقيق التنمية المستدامة. يجب علىهم أن يدركوا أن الصحافة ليست عدوًا، بل شريكًا في بناء الوطن. وعلى الصحفيين أن يؤدوا دورهم في محاسبة المسؤولين، وبناء مجتمع أكثر شفافية ومساءلة.
مقتطف من الخطاب السامي الذي وجهه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله، إلى الأمة بمناسبة الذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب
20 غشت 2015
الحمد لله، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.
شعبي العزيز،
بمشاعر التقدير والوفاء، نحتفل اليوم بالذكرى الثانية والستين لثورة الملك والشعب المجيدة.
وهي مناسبة سنوية لاستلهام روح التضحية والوطنية الصادقة، التي جسدها جيل التحرير والاستقلال، خاصة وأن بلادنا على أبواب ثورة جديدة.
ويتعلق الأمر بتطبيق الجهوية المتقدمة، التي نريدها عماد مغرب الوحدة الوطنية والترابية، والتضامن بين الفئات، والتكامل والتوازن بين الجهات.
وإذا كان لكل مرحلة رجالها ونساؤها، فإن الثورة التي نحن مقبلون عليها لن تكون إلا بمنتخبين صادقين، همهم الأول هو خدمة بلدهم، والمواطنين الذين صوتوا عليهم.
شعبي العزيز،
إن الانتخابات المقبلة، التي تفصلنا عنها أيام معدودات، ستكون حاسمة لمستقبل المغرب، خاصة في ظل ما يخوله الدستور والقانون من اختصاصات واسعة لمجالس الجهات والجماعات المحلية.
وحتى تكون الأمور مفهومة عند عموم المواطنين، فقد ارتأينا أن نوضح لهم مهام كل مؤسسة، ودورها وتأثيرها في حياتهم، لأن من حقهم أن يعرفوا كل شيء عن مؤسساتهم، ليتخذوا القرار ويحسنوا الاختيار.
فالحكومة مسؤولة، تحت سلطة رئيسها، على ضمان تنفيذ القوانين، وعلى وضع السياسات العمومية، والمخططات القطاعية في مختلف المجالات.
كما أن الإدارة موضوعة تحت تصرفها. ومن واجبها تحسين الخدمات الإدارية، وتقريبها من المواطنين.
وكما قلت في خطاب سابق، فالحكومة ليست مسؤولة عن مستوى الخدمات، التي تقدمها المجالس المنتخبة. فوزير الطاقة ليس مسؤولا عن الإنارة في الأحياء، وربط المنازل بشبكات الكهرباء والماء الصالح للشرب والصرف الصحي. كما أن نظافة الشوارع والأحياء ليست من مهام وزير الداخلية. وإصلاح الطريق داخل الجماعة، وتوفير وسائل النقل الحضري ليس من اختصاص وزير التجهيز والنقل.
وعلى المواطن أن يعرف أن المسؤولين عن هذه الخدمات الإدارية والاجتماعية، التي يحتاجها في حياته اليومية، هم المنتخبون الذين يصوت عليهم، في الجماعة والجهة، لتدبير شؤونه المحلية. وعكس ما يعتقده البعض، فإن المنتخب البرلماني لا علاقة له بتدبير الشؤون المحلية للمواطنين. فهو مسؤول على اقتراح ومناقشة القوانين، والتصويت عليها، ومراقبة عمل الحكومة، وتقييم السياسات العمومية.
شعبي العزيز،
إذا كان عدد من المواطنين لا يهتمون كثيرا بالانتخابات ولا يشاركون فيها، فلأن بعض المنتخبين لا يقومون بواجبهم، على الوجه المطلوب. بل إن من بينهم من لا يعرف حتى منتخبيه.
وهنا يجب التشديد على أن المنتخب، كالطبيب والمحامي والمعلم والموظف وغيرهم، يجب أن يشتغل كل يوم. بل عليه أن يعمل أكثر منهم، لأنه مسؤول على مصالح الناس، ولا يعمل لحسابه الخاص. غير أن هناك بعض المنتخبين يظنون أن دورهم يقتصر على الترشح فقط. وليس من أجل العمل. وعندما يفوزون في الانتخابات، يختفون لخمس أو ست سنوات، ولا يظهرون إلا مع الانتخابات الموالية.
لذا، فإن التصويت لا ينبغي أن يكون لفائدة المرشح الذي يكثر من الكلام، ويرفع صوته أكثر من الآخرين، بشعارات فارغة ؛ أو لمن يقدم بعض الدراهم، خلال الفترات الانتخابية، ويبيع الوعود الكاذبة للمواطنين. فهذه الممارسات وغيرها ليست فقط أفعالا يعاقب عليها القانون، وإنما هي أيضا تعبير صارخ عن عدم احترام الناخبين.
لذا، فإن التصويت يجب أن يكون لصالح المرشح، الذي تتوفر فيه شروط الكفاءة والمصداقية، والحرص على خدمة الصالح العام. وهنا أقول للأحزاب والمرشحين : إن الهدف من الانتخابات لا ينبغي أن يكون هو الحصول على المناصب ، وإنما يجب أن يكون من أجل خدمة المواطن فقط.
وللمواطنين أوجه هذا النداء : إن التصويت حق وواجب وطني، وأمانة ثقيلة عليكم أداءها، فهو وسيلة بين أيديكم لتغيير طريقة التسيير اليومي لأموركم، أو لتكريس الوضع القائم، جيدا كان أو سيئا.
وعليكم أن تعرفوا أن انتخاب رئيس الجهة وأعضاء مجلسها بالاقتراع المباشر، يعطيكم سلطة القرار في اختيار من يمثلكم. فعليكم أن تحكموا ضمائركم وأن تحسنوا الاختيار. لأنه لن يكون من حقكم غدا، أن تشتكوا من سوء التدبير، أو من ضعف الخدمات التي تقدم لكم.
ومما يبعث على الارتياح، تزايد عدد الناخبين، الذين قاموا بالتسجيل في اللوائح الانتخابية، لأول مرة، رغم أنهم كانوا لا يشاركون في الانتخابات، بسبب عدم رضاهم على عمل المجالس المنتخبة. لكنهم اليوم يريدون ممارسة حقهم وواجبهم الوطني. إلا أن أغلبهم يتساءلون، لمن يعطون أصواتهم، وفي من يضعون ثقتهم. وهو ما يتطلب من الأحزاب والمرشحين، العمل على إقناعهم، بجديتهم وجودة وواقعية برامجهم، وتوضيح الرؤية أمامهم، وحسن التواصل معهم.
وفي هذا السياق، ندعو فعاليات المجتمع المدني والهيآت النقابية، للانخراط، بقوة، في تعبئة وتشجيع المواطنين على المشاركة في العملية الانتخابية. وخلاصة القول، فإن السلطة التي يتوفر عليها المواطن، للحفاظ على مصالحه، وحل بعض مشاكله، ومحاسبة وتغيير المنتخبين، تتمثل في كلمة واحدة من ثلاثة حروف ” صوت “.
A.Bout