أكد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة، الحسن الداكي، أمس الخميس بمراكش، أن تكاتف جهود النظم القضائية للدول الإفريقية يعتبر أمرا لا محيد عنه وآلية مهمة للتصدي لمختلف أنواع السلوكيات الخارجة عن نطاق القانون في مجال البيئة.
وأبرز الداكي، في كلمة بمناسبة الندوة الدولية المنظمة حول موضوع “الجريمة البيئية ودور القضاء في مكافحتها”، على هامش المؤتمر الـ17 لجمعية النواب العموم الأفارقة، أن التعاون القضائي الدولي في مجال التصدي للجريمة البيئية يعتبر آلية مهمة لتعزيز الجهود الرامية إلى تطويق مختلف أصناف الاعتداء على المجالات البيئية.
وقال، في هذا السياق، إن “انشغالنا بمستقبل قارتنا الإفريقية يشكل صلب اهتمامنا المشترك الذي تتعدد أبعاده وتتنوع مظاهره، وتبقى البيئة موضوعا مركزيا يشغل بالنا لما له من أهمية وراهنية متجددة تمليها علينا تحديات الواقع البيئي الذي يعيشه العالم عموما وإفريقيا على وجه الخصوص”.
وأضاف أن ما تطرحه التغيرات المناخية والاحتباس الحراري من ضغوط على الاقتصادات الإفريقية، وما يتسبب فيه التلوث بمختلف أنواعه، وما يتهدد الثروات الطبيعية والتنوع البيولوجي من تحديات وممارسات منافية للقانون، “شكل وسيشكل لنا دافعا قويا للمضي قدما نحو بلورة رؤية مشتركة تجيب على تساؤلاتنا المشروعة بخصوص السبل الكفيلة لرفع هذه التحديات”.
وأشار الداكي إلى أن انعقاد هذه الندوة الدولية يعكس الاهتمام البالغ الذي توليه المملكة المغربية لموضوع البيئة، ويجسد العمق الاستراتيجي الذي يحظى به هذا الموضوع ضمن السياسات العمومية، معتبرا هذه المحطة الفارقة من شأنها أن تساهم في إغناء النقاش وبلورة الخطوط العريضة لرؤى مستقبلية تنهل من تلاقح التجارب وتؤسس لحوار قضائي بيئي رصين سيشكل أرضية مشتركة لتلمس آفاق التعاون وتطوير التجارب وفق الممارسات الفضلى.
وفي ما يتعلق باهتمام المملكة بالقضايا البيئية وريادتها في مجال الابتكار البيئي والطاقات النظيفة والمتجددة وتعاطيها المستمر مع التحديات التي تفرضها المعطيات البيئية، لفت إلى أنه يجد أساسه في الاستراتيجية الوطنية التي تبناها المغرب في مجال البيئة والمستندة إلى مقومات واضحة المعالم وآليات فعالة قادرة على الاستجابة لمختلف المستجدات ورفع التحديات التي يطرحها الواقع البيئي.
وارتباطا بجهود النيابة العامة في مجال حماية البيئة، قال الداكي إنها تأتي في سياق التناغم مع موقف قضاء الحكم من هذا النوع من القضايا، إذ عمل القضاء المغربي على مواكبة الطفرة التشريعية في مجال البيئة من خلال المقررات الصادرة عن مختلف محاكم المملكة بمختلف مستوياتها، وعلى رأسها محكمة النقض التي أقرت مجموعة من المبادئ القضائية ذات العلاقة بالأبحاث والتحريات التي تباشر في جرائم البيئة.
وأكد أن رئاسة النيابة العامة، وعيا منها بدورها الدستوري في مجال تنفيذ السياسة الجنائية، وانسجاما مع الفاعلية التي أبانت عنها الجهود المبذولة من قبل مؤسسات الدولة بمختلف مستوياتها، انخرطت وفق خطة مندمجة في المساهمة في تلك الجهود، من خلال تبني مقاربة متعددة الجوانب من ضمنها إحداث بنية إدارية يدخل في مجال اختصاصها تتبع قضايا الجرائم البيئية.
ومن أجل نجاعة تضمن حماية متوازنة للبيئة، أبرز أن رئاسة النيابة العامة تبنت مقاربة مؤسساتية تشاركية تتمثل في العمل على تنسيق مجهودات حماية البيئة مع العديد من المؤسسات الوطنية لتكثيف المراقبة والتنسيق وتقديم المساعدة بين كل القطاعات ذات الصلة بهدف رصد الأنشطة غير المشروعة ومحاربة كل أشكال الاتجار غير المشروع لكل أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة المهددة بالانقراض، مشيرا إلى أن المؤسسة عززت كذلك تعاونها مع العديد من المنظمات الدولية كالصندوق الدولي للرفق بالحيوان وبعض الدول الأجنبية.
وذكر بأن رئاسة النيابة العامة، اعترافا بالمجهودات التي تبذلها في هذا المجال، حصلت على جائزة GAIA للتميز لسنة 2022 من قبل الشبكة الأوروبية للوكلاء من أجل البيئة، على هامش اجتماعها السنوي المنعقد بلاهاي بتاريخ 30 شتنبر من السنة ذاتها، فضلا عن قبول عضوية المملكة كملاحظ بالشبكة الأوروبية للوكلاء الأوروبيين من أجل البيئة، التي تضم مختلف النيابات العامة الأوروبية.
يشار إلى أن المؤتمر الـ17 لجمعية النواب العموم الأفارقة، يجمع 88 مشاركا ضمنهم نواب العموم، وقضاة النيابة العامة من 34 دولة إفريقية، وممثلو وخبراء من منظمة الهجرة الدولية ، والشبكة الأوروبية للوكلاء من أجل البيئة، ومجلس أوروبا، والرابطة الدولية للمدعين العامين، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والمحكمة الإدارية للاتحاد الإفريقي.